وقال سبحانه مخبرا عمن يحشر من الظالمين أنه يقول يوم الحشر الأكبر " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل " (1) وللعامة في هذه الآية تأويل مردود، وهو أن قالوا: إن المعني بقوله " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " أنه خلقهم أمواتا، ثم أماتهم بعد الحياة، وهذا باطل لا يستمر على لسان العرب، لأن الفعل لا يدخل إلا على من كان بغير الصفة التي انطوى اللفظ على معناها، ومن خلقه الله أمواتا لا يقال أماته، وإنما يقال ذلك فيمن طرء عليه الموت بعد الحياة، كذلك لا يقال أحيى الله ميتا إلا أن يكون قد كان قبل إحيائه ميتا (2) وهذا بين لمن تأمله.
وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله " ربنا أمتنا اثنتين " الموتة التي تكون بعد حياتهم في القبور للمسألة فتكون الأولى قبل الاقبار، والثانية بعده، وهذا أيضا باطل من وجه آخر وهو أن الحياة للمسألة ليست للتكليف فيندم الانسان على ما فاته في حاله، وندم القوم على ما فاتهم في حياتهم المرتين يدل على أنه لم يرد حياة المسألة لكنة أراد حياة الرجعة، التي تكون لتكليفهم الندم على تفريطهم، فلا يفعلون ذلك فيندمون يوم العرض على ما فاتهم من ذلك (3).
فصل:
والرجعة عندنا يختص بمن محض الايمان ومحض الكفر، دون من سوى هذين الفريقين، فإذا أراد الله تعالى على ما ذكرناه أوهم الشياطين أعداء الله عز وجل أنهم إنما ردوا إلى الدنيا لطغيانهم على الله، فيزدادوا عتوا، فينتقم الله تعالى