الحكاية الحادية والثلاثون حدثني العالم النبيل، والفاضل الجليل، الصالح الثقة العدل الذي قل له البديل، الحاج المولى محسن الأصفهاني المجاور لمشهد أبي عبد الله عليه السلام حيا وميتا وكان من أوثق أئمة الجماعة قال: حدثني السيد السند، والعالم المؤيد، التقي الصفي السيد محمد بن السيد مال الله بن السيد معصوم القطيفي رحمهم الله، قال: قصدت مسجد الكوفة في بعض ليالي الجمع، وكان في زمان مخوف لا يتردد إلى المسجد أحد إلا مع عدة وتهيئة، لكثرة من كان في أطراف النجف الأشرف من القطاع واللصوص، وكان معي واحد من الطلاب.
فلما دخلنا المسجد لم نجد فيه إلا رجلا واحدا من المشتغلين فأخذنا في آداب المسجد، فلما حان غروب الشمس، عمدنا إلى الباب فأغلقناه، وطرحنا خلفه من الأحجار والأخشاب والطوب (1) والمدر إلى أن اطمأنا بعدم إمكان انفتاحه من الخارج عادة.
ثم دخلنا المسجد، واشتغلنا بالصلاة والدعاء فلما فرغنا جلست أنا ورفيقي في دكة القضاء مستقبل القبلة، وذاك الرجل الصالح كان مشغولا بقراءة دعاء كميل في الدهليز القريب من باب الفيل بصوت عال شجي، وكانت ليلة قمراء صاحية وكنت متوجها إلى نحو السماء.
فبينا نحن كذلك فإذا بطيب قد انتشر في الهواء، وملأ الفضاء أحسن من ربيح نوافج المسك الأذفر، وأروح للقلب من النسيم إذا تسحر، ورأيت في خلال أشعة القمر أشعاعا كشعلة النار، قد غلب عليها، وانخمد في تلك الحال صوت ذلك الرجل الداعي، فالتفت فإذا أنا بشخص جليل، قد دخل المسجد من طرف ذلك الباب المنغلق في زي لباس الحجاز، وعلى كتفه الشريف سجادة كما هو عادة أهل الحرمين إلى الآن، وكان يمشي في سكينة ووقار، وهيبة وجلال