الأربعاء فإنه يمضي إلى مسجد السهلة ثم ترك الرواح إلى المسجد، فسألته عن سبب ذلك، فقال: خرجت أربعين أربعاء فلما كانت الأخيرة لم يتيسر لي أن أخرج إلى قريب المغرب فمشيت وحدي وصار الليل، وبقيت أمشي حتى بقي ثلث الطريق، وكانت الليلة مقمرة.
فرأيت أعرابيا على فرس قد قصدني فقلت في نفسي هذا سيسلبني ثيابي فلما انتهى إلي كلمني بلسان البدو من العرب، وسألني عن مقصدي، فقلت: مسجد السهلة، فقال: معك شئ من المأكول؟ فقلت: لا، فقال: أدخل يدك في جيبك - هذا نقل بالمعنى - وأما اللفظ " دورك يدك لجيبك " فقلت: ليس فيه شئ فكرر علي القول بزجر حتى أدخلت يدي في جيبي، فوجدت فيه زبيبا كنت اشتريته لطفل عندي، ونسيته فبقي في جيبي.
ثم قال لي الأعرابي: أوصيك بالعود، أوصيك بالعود، أوصيك بالعود - والعود في لسانهم اسم للأب المسن، ثم غاب عن بصري فعلمت أنه المهدي عليه السلام وأنه لا يرضى بمفارقتي لأبي حتى في ليلة الأربعاء فلم أعد.
الحكاية التاسعة عشرة وقال أدام الله إكرامه: رأيت في رواية ما يدل على أنك إذا أردت أن تعرف ليلة القدر، فاقرء " حم الدخان " كل ليلة في شهر رمضان مائة مرة إلى ليلة ثلاث وعشرين، فعملت ذلك وبدأت في ليلة الثلاث والعشرين أقرء على حفظي بعد الفطور إلى أن خرجت إلى الحرم العلوي في أثناء الليل، فلم أجد لي موضعا أستقر فيه إلا أن أجلس مقابلا للوجه، مستدبرا للقبلة، بقرب الشمع المعلق لكثرة الناس في تلك الليلة.
فتربعت واستقبلت الشباك، وبقيت أقرء " حم " فبينما أنا كذلك إذ وجدت إلى جنبي أعرابيا متربعا أيضا معتدل الظهر أسمر اللون حسن العينين والأنف والوجه، مهيبا جدا كأنه من شيوخ الأعراب إلا أنه شاب ولا أذكر هل كان