من ذلك، فقلت: يا سيدي إن رأيت أن تهبني شيئا من ثيابك ليكون كفني، فقال:
نعم، ثم رفع إلي قميصا قد ابتذله ومنشفة لطيفة، وقال لي: احفظ هذا تحرس به.
ثم دفع إلي ذو الرئاستين أبو العباس الفضل بن سهل وزير المأمون صلة وحملني على برذون أصفر خراساني، وكنت أسايره في يوم مطير، وعليه ممطر خز وبرنس منه فأمر لي به ودعا بغيره جديد فلبسه، وقال: إنما آثرتك باللبيس لأنه خير الممطرين قال: فأعطيت به ثمانين دينارا فلم تطب نفسي ببيعه.
ثم كررت راجعا إلى العراق فلما صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا، وكان ذلك اليوم يوما مطيرا، فبقيت في قميص خلق وضر جديد وأنا متأسف من جميع ما كان معي على القميص والمنشفة ومفكر في قول سيدي الرضا عليه السلام إذ مر بي واحد من الأكراد الحرامية تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرئاستين، وعليه الممطر، ووقف بالقرب مني ليجتمع عليه أصحابه وهو ينشد " مدارس آيات خلت من تلاوة " ويبكي.
فلما رأيت ذلك منه عجبت من لص من الأكراد يتشيع، ثم طمعت في القميص والمنشفة، فقلت: يا سيدي لمن هذه القصيدة؟ فقال: ما أنت وذاك ويلك؟
فقلت: لي فيه سبب أخبرك به، فقال: هي أشهر بصاحبها أن تجهل، فقلت: من هو؟ قال: دعبل بن علي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا، فقلت له: والله يا سيدي أنا دعبل، وهذه قصيدتي فقال: ويلك ما تقول؟ قلت: الامر أشهر من ذلك فأرسل إلى أهل القافلة فاستحضر منهم جماعة، وسألهم عني فقالوا بأسرهم: هذا دعبل بن علي الخزاعي فقال: قد أطلقت كل ما اخذ من القافلة خلالة فما فوقها كرامة لك ثم نادى في أصحابه من أخذ شيئا فليرده فرجع على الناس جميع ما اخذ منهم ورجع إلي جميع ما كان معي، ثم بذرقنا (1) إلى المأمن فحرست أنا والقافلة ببركة القميص والمنشفة.