في دجلة والفرات، ونفوس دفنت ببغداد والكوفة أحياء، وهيهات إنه من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
وأما ما وصفتم في أمر المخلوع، وما كان فيه من لبس، فلعمري ما لبس عليه أحد غيركم إذ هويتم عليه النكث، وزينتم له الغدر، وقلتم له ما عسى أن يكون من أمر أخيك، وهو رجل مغرب، ومعك الأموال والرجال نبعث إليه فيؤتي به فكذبتم ودبرتم ونسيتم قول الله تعالى " ومن بغي عليه لينصرنه الله " (1).
وأما ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا عليه السلام فما بايع له المأمون إلا مستبصرا في أمره عالما بأنه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلا ولا أظهر عفة، ولا أورع ورعا ولا أزهد في الدنيا، ولا أطلق نفسا ولا أرضى في الخاصة والعامة، ولا أشد في ذات الله منه، وإن البيعة له لموافقة رضى الرب عز وجل، ولقد جهدت وما أجد في الله لومة لائم، ولعمري أن لو كانت بيعتي بيعة محاباة، لكان العباس ابني وسائر ولدي أحب إلى قلبي، وأجلى في عيني، ولكن أردت أمرا وأراد الله أمرا، فلم يسبق أمري أمر الله.
وأما ما ذكرتم مما مسكم من الجفاء في ولايتي، فلعمري ما كان ذلك إلا منكم بمظافرتكم عليه، ومما يلتكم إياه، فلما قتلته وتفرقتم عباديد فطورا أتباعا لابن أبي خالد، وطورا أتباعا لاعرابي، وطورا أتباعا لابن شكلة، ثم لكل من سل سيفا علي، ولولا أن شيمتي العفو، وطبيعتي التجاوز، ما تركت على وجهها منكم أحدا، فكلكم حلال الدم محل بنفسه.
وأما ما سألتم من البيعة للعباس ابني، أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويلكم إن العباس غلام حدث السن، ولم يونس رشده ولم يمهل وحده ولم تحكمه التجارب، تدبره النساء وتكفله الإماء، ثم لم يتفقه في الدين، ولم يعرف