وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " (1).
فأفعال الفاعل تبع لأصله، فإن كان قيامه عن الله عز وجل فأفعاله عنه وعلى الناس الرضا والتسليم، وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وآله القتال يوم الحديبية يوم صد المشركون هديه عن البيت، فلما وجد الأعوان وقوي حارب، كما قال عز وجل في الأول " فاصفح الصفح الجميل " (2) ثم قال عز وجل: " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد " (3).
قال آخر: إذا زعمت أن إمامة علي عليه السلام من قبل الله عز وجل وأنه مفترض الطاعة، فلم لم يجز إلا التبليغ والدعاء كما للأنبياء عليهم السلام وجاز لعلي أن يترك ما امر به من دعوة الناس إلى طاعته.
فقال: من قبل أنا لم ندع أن عليا عليه السلام امر بالتبليغ فيكون رسولا ولكنه عليه السلام وضع علما بين الله تعالى وبين خلقه، فمن تبعه كان مطيعا، ومن خالفه كان عاصيا، فان وجد أعوانا يتقوى بهم جاهد وإن لم يجد أعوانا فاللوم عليهم لا عليه، لأنهم أمروا بطاعته على كل حال، ولم يؤمر هو بمجاهدتهم إلا بقوة وهو بمنزلة البيت، على الناس الحج إليه فإذا حجوا أدوا ما عليهم، وإذا لم يفعلوا كانت للأئمة عليهم، لا على البيت.
وقال آخر: إذا وجب أنه لا بد من إمام مفترض الطاعة بالاضطرار، فكيف يجب بالاضطرار أنه علي عليه السلام دون غيره، فقال من قبل أن الله عز وجل لا يفرض مجهولا، ولا يكون المفروض ممتنعا إذ المجهول ممتنع ولا بد من دلالة الرسول على الفرض، ليقطع العذر بين الله عز وجل وبين عباده، أرأيت لو فرض الله عز وجل على الناس صوم شهر ولم يعلم الناس أي شهر هو ولم يسم، كان على الناس استخراج ذلك بعقولهم، حتى يصيبوا ما أراد الله تبارك وتعالى، فيكون الناس حينئذ مستغنين عن الرسول والمبين لهم، وعن الامام الناقل خبر الرسول إليهم.