منهما خيلا فأخذ بواحدة على طريق البصرة، والأخرى على طريق الكوفة ليعمي على الناس أمره، وكان في التي مضت إلى البصرة، وأمر الرسول أن يسلمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور، وكان على البصرة حينئذ فمضى به فحبسه عنده سنة.
ثم كتب إلى الرشيد أن خذه مني، وسلمه إلى من شئت، وإلا خليت سبيله، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة، فما أقدر على ذلك، حتى أني لا تسمع عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو عليك فما أسمعه يدعو إلا لنفسه، يسأل الرحمة و المغفرة فوجه من تسلمه منه، وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد، فبقي عنده مدة طويلة، وأراده الرشيد على شئ من أمره فأبى فكتب بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فتسلمه منه وأراد ذلك منه فلم يفعل، وبلغه أنه عنده في رفاهية وسعة، وهو حينئذ بالرقة.
فأنفذ مسرور الخادم إلى بغداد على البريد، وأمره أن يدخل من فوره إلى موسى بن جعفر فيعرف خبره، فإن كان الامر على ما بلغه أوصل كتابا منه إلى العباس بن محمد وأمره بامتثاله، وأوصل منه كتابا آخر إلى السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس.
فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري أحد ما يريد ثم دخل على موسى ابن جعفر عليه السلام فوجده على ما بلغ الرشيد، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد والسندي فأوصل الكتابين إليهما، فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض إلى الفضل بن يحيى فركب معه وخرج مشدوها دهشا حتى دخل على العباس فدعا بسياط وعقابين فوجه ذلك إلى السندي وأمره بالفضل فجرد ثم ضربه مائة سوط، وخرج متغير اللون خلاف ما دخل فأذهبت نخوته فجعل يسلم على الناس يمينا وشمالا و كتب مسرور بالخبر إلى الرشيد فأمر بتسليم موسى إلى السندي بن شاهك وجلس مجلسا حافلا وقال: أيها الناس إن الفضل بن يحيى قد عصاني، وخالف طاعتي ورأيت أن ألعنه فالعنوه فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه.