فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام المائتين ثم ضربه منقذ بن مرة العبدي (1) على مفرق رأسه ضربة صرعته، وضربه الناس بأسيافهم، ثم اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطعوه بسيوفهم إربا إربا.
فلما بلغت الروح التراقي قال رافعا صوته: يا أبتاه هذا جدي رسول الله صلى الله عليه وآله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا وهو يقول:
العجل العجل! فان لك كأسا مذخورة حتى تشربها الساعة، فصاح الحسين عليه السلام وقال: قتل الله قوما قتلوك ما أجرأهم على الرحمان وعلى رسوله، وعلى انتهاك حرمة الرسول، وعلى الدنيا بعدك العفا.
قال حميد بن مسلم: فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي بالويل والثبور، وتقول: يا حبيباه يا ثمرة فؤاداه، يا نور عيناه!
فسألت عنها فقيل: هي زينب بنت علي عليه السلام وجاءت وانكبت عليه فجاء الحسين فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط وأقبل عليه السلام بفتيانه وقال: احملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه فجاؤوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.
وقال المفيد وابن نما بعد ذلك: ثم رمى رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له: عمرو بن صبيح عبد الله بن مسلم بن عقيل بسهم فوضع عبد الله يده على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه ونفذ إلى جبهته فسمرها به، فلم يستطع تحريكها ثم انحنى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه، فقتله.
وحمل عبد الله بن قطبة الطائي على عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقتله، وحمل عامر بن نهشل التميمي على محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقتله، وشد عثمان بن خالد الهمداني على عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب فقتله (2)