القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك، كنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه، اللهم أمنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقا، ومزقهم تمزيقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا.
ثم صاح الحسين بعمر بن سعد: ما لك؟ قطع الله رحمك! ولا بارك الله لك في أمرك، وسلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك، كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم رفع الحسين عليه السلام صوته وتلا: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ".
ثم حمل علي بن الحسين على القوم، وهو يقول:
أنا علي بن الحسين بن علي * من عصبة جد أبيهم النبي والله لا يحكم فينا ابن الدعي * أطعنكم بالرمح حتى ينثني أضربكم بالسيف أحمي عن أبي * ضرب غلام هاشمي علوي فلم يزل يقاتل حتى ضج الناس من كثرة من قتل منهم، وروي أنه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلا ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال:
يا أبه! العطش قد قتلني، وثقل الحديد أجهدني، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوى بها على الأعداء؟ فبكى الحسين عليه السلام وقال: يا بني يعز على محمد وعلى علي بن أبي طالب وعلي أن تدعوهم فلا يجيبوك، وتستغيث بهم فلا يغيثوك، يا بني هات لسانك، فأخذ بلسانه فمصه ودفع إليه خاتمه وقال: أمسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوك فاني أرجو أنك لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا. فرجع إلى القتال وهو يقول:
الحرب قد بانت لها الحقائق * وظهرت من بعدها مصادق والله رب العرش لا نفارق * جموعكم أو تغمد البوارق