فلما رأته الطيور، تصايحن وأعلن بالبكاء والثبور، وتواقعن على دمه يتمرغن فيه، وطار كل واحد منهم إلى ناحية يعلم أهلها عن قتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام فمن القضاء والقدر أن طيرا من هذه الطيور قصد مدينة الرسول وجاء يرفرف والدم يتقاطر من أجنحته، ودار حول قبر سيدنا رسول الله يعلن بالنداء: ألا قتل الحسين بكربلا، ألا ذبح الحسين بكربلا! فاجتمعت الطيور عليه وهم يبكون عليه وينوحون.
فلما نظر أهل المدينة من الطيور ذلك النوح، وشاهدوا الدم يتقاطر من الطير لم يعلموا ما الخبر حتى انقضت مدة من الزمان، وجاء خبر مقتل الحسين علموا أن ذلك الطير كان يخبر رسول الله بقتل ابن فاطمة البتول، وقرة عين الرسول.
وقد نقل أنه في ذلك اليوم الذي جاء فيه الطير إلى المدينة، كان في المدينة رجل يهودي وله بنت عمياء زمناء طرشاء (1) مشلولة، والجذام قد أحاط ببدنها، فجاء ذلك الطائر والدم يتقاطر منه، ووقع على شجرة يبكي طول ليلته، وكان اليهودي قد أخرج ابنته تلك المريضة إلى خارج المدينة إلى بستان وتركها في البستان الذي جاء الطير ووقع فيه، فمن القضاء والقدر أن تلك الليلة عرض لليهودي عارض فدخل المدينة لقضاء حاجته، فلم يقدر أن يخرج تلك الليلة إلى البستان التي فيها ابنته المعلولة، والبنت لما نظرت أباها لم يأتها تلك الليلة، لم يأتها نوم لوحدتها لان أباها كان يحدثها ويسليها حتى تنام.
فسمعت عند السحر بكاء الطير وحنينه، فبقيت تتقلب على وجه الأرض إلى أن صارت تحت الشجرة التي عليها الطير، فصارت كلما حن ذلك الطير تجاوبه من قلب محزون، فبينما هي كذلك إذ وقع قطرة من الدم فوقعت على عينها ففتحت ثم قطرة أخرى على عينها الأخرى فبرأت، ثم قطرة على يديها فعوفيت ثم على رجليها فبرأت، وعادت كلما قطرت قطرة من الدم تلطخ به جسدها فعوفيت من جميع مرضها من بركات دم الحسين عليه السلام