ونحن نعلم أيضا أن النبوة المستثناة لم تكن بموسى (1)، وإذا ساغ استثناء النبوة من جملة ما اقتضى اللفظ مع أنها لم تكن بموسى بطل أن يكون اللفظ متناولا لما وجب من جهة موسى من المنازل (2).
وأما الذي يدل على أن اللفظ يوجب حصول جميع المنازل إلا ما أخرجه الاستثناء وما جرى مجراه (3) وإن لم يكن من ألفاظ العموم الموجبة للاشتمال والاستغراق ولا كان أيضا من مذهبنا أن في اللفظ المستغرق للجنس على سبيل الوجوب لفظا موضوعا (4) له فهو أن دخول الاستثناء في اللفظ الذي يقتضي على سبيل الاجمال أشياء كثيرة متى صدر من حكيم يريد البيان والافهام، دليل على أن ما يقتضيه اللفظ ويحتمله بعد ما خرج بالاستثناء مراد بالخطاب وداخل ما تحته، ويصير دخول الاستثناء كالقرينة أو الدلالة التي توجب الاستغراق والشمول، يدل على صحة ما ذكروه أن الحكيم منا إذا قال:
من دخل داري أكرمه إلا زيدا، فهمنا من كلامه بدخول الاستثناء أن من عدا زيد مراد بالقول، لأنه لو لم يكن مرادا لوجب استثناؤه مع إرادة الافهام والبيان، وهذا وجه.
ووجه آخر وهو أنا وجدنا الناس في هذا الخبر على فرقتين: منهم من ذهب إلى أن المراد منزلة واحدة لأجل السبب الذي يدعون خروج الخبر عليه، ولأجل عهد أو عرف، والفرقة الأخرى تذهب إلى عموم القول لجميع ما هو منزلة هارون من موسى بعد ما أخرج الدليل، على اختلافهم في تفصيل المنازل وتعيينها، وهؤلاء هم الشيعة وأكثر مخالفيهم، لان القول الأول لم يذهب إليه إلا الواحد والاثنان، وإنما يمتنع من خالف الشيعة من إيجاب كون أمير المؤمنين صلوات الله عليه خليفة للنبي بعده، حيث لم يثبت عندهم أن هارون لو بقي بعد موسى لخلفه، ولا أن ذلك مما يصح أن يعد في جملة منازله، فكان كل من ذهب إلى أن اللفظ يصح تعديه المنزلة الواحدة ذهب إلى