وجب حصولها له بعد الوفاة لو بقي إليها، لان خروجها عنه في حال من الأحوال مع بقائه حط له من مرتبة كان عليها، وصرف عن ولاية فوضت إليه، وذلك يقتضي من التنفير أكثر مما يعترف خصومنا من المعتزلة بأن الله يجنب أنبياءه عليهم السلام من القباحة في الخلق والدنامة المفرطة (1) والضعائر المسخفة (2)، وأن لا يجيبهم الله تعالى إلى ما يسألونه لامتهم من حيث لا يظهر لهم.
فإن قيل: إذا ثبت أنه منفر وجب أن يجنبه هارون من حيث كان نبيا ومؤديا عن الله عز وجل، فكان نبوته هي المقتضية لاستمرار خلافته إلى بعد الوفاة، وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله قد استثنى من الخبر النبوة وجب أن يخرج معها ما هي مقتضيه له وكالسبب فيه، وإذا خرجت هذه المنزلة مع النبوة لم يكن في الخبر دلالة على النص الذي تدعونه (3) قيل له: إن أردت بقولك: إن الخلافة من مقتضى النبوة أنه من حيث كان نبيا يجب له هذه المنزلة كما يجب له سائر شروط النبوة فليس الامر كذلك، لأنه غير منكر أن يكون هارون قبل استخلاف موسى له شريكا في نبوته وتبليغ شرعه (4)، وإن لم يكن خليفة له فيما سوى ذلك في حياته ولا بعد وفاته، وإن أردت أن هارون بعد استخلاف موسى له في حياته يجب أن يستمر حاله ولا يخرج عن هذه المنزلة لان خروجه عنها يقتضي التنفير الذي يمنع نبوة هارون منه وأشرت في قولك: إن النبوة يقتضي الخلافة بعد الوفاة إلى هذا الوجه فهو صحيح، غير أنه لا يجب ما ظننته من استثناء الخلافة باستثناء النبوة، لان أكثر ما فيه أن يكون كالسبب في ثبوت الخلافة بعد الوفاة، وغير واجب أن ينفي ما هو كالمسبب عن غيره عند نفي الغير، ألا ترى أن أحدنا لو قال لوصيه: " أعط فلانا من مالي كذا وكذا - وذكر مبلغا عينه - فإنه يستحق هذا المبلغ علي من ثمن سلعة ابتعتها