غير مانع من صحة الكلام واستقامته.
ومنها أن القول لو اقتضى منزلة واحدة إما الخلافة في السفر أو ما ينافي إرجاف المنافقين من المحبة فكيف يصح الاستثناء؟ لان ظاهره لا يقتضي تناول الكلام لأكثر من منزلة واحدة، ألا ترى أنه لا يحسن (1) أن يقول أحدنا لغيره: " منزلتك مني في الشركة في المتاع المخصوص دون غيرها منزلة فلان من فلان إلا أنك لست بجاري " و إن كان الجوار ثابتا بينه وبين من ذكره، من حيث لم يصح تناول قوله الأول ما يصح دخول منزلة الجوار فيه، وكذلك لا يصح أن يقول: " ضربت غلامي زيدا إلا غلامي عمرا " وإن صح أن يقول: " ضربت غلماني إلا غلامي عمرا " من حيث تناول اللفظ الواحد دون الجميع.
وبهذا الوجه يسقط قول من ادعى أن الخبر يقتضي منزلة واحدة لان (2) ظاهر اللفظ لم يتناول أكثر من المنزلة الواحدة وأنه لو أراد منازل كثيرة لقال: " أنت مني بمنازل هارون من موسى " وذلك (3) أن اعتبار الاستثناء يدل على أن الكلام يتناول أكثر من منزلة واحدة، والعادة في الاستعمال جارية بأن يستعمل مثل هذا الخطاب، وإن كان المراد المنازل الكثيرة، لأنهم يقولون: " منزلة فلان من الأمير كمنزلة فلان منه " وإن أشاروا إلى أحوال مختلفة ومنازل كثيرة، ولا يكادون يقولون بدلا مما ذكرناه: " منازل فلان كمنازل فلان " وإنما حسن منهم ذلك من حيث اعتقدوا أن ذوي المنازل الكثيرة والرتب المختلفة قد حصل لهم بمجموعها منزلة واحدة كأنها جملة متفرعة إلى غيرها، فتقع الإشارة منهم إلى الجملة بلفظ الوحدة.
وباعتبار ما اعتبرناه من الاستثناء يبطل قول من حمل الكلام على منزلة يقتضيها العهد أو العرف، ولأنه ليس في العرف أن لا يستعمل لفظ " منزلة " إلا في شئ مخصوص دون ما عداه، لان لا حال من الأحوال يحصل لاحد مع غيره من نسب وجوار وولاية