وقالت فرقة أخرى: إن الامام بعد أبي عبد الله ابنه عبد الله بن جعفر، واعتلوا في ذلك بأنه كان أكبر ولد أبي عبد الله، وأن أبا عبد الله عليه السلام قال: الإمامة لا تكون إلا في الأكبر من ولد الامام! وهذه الفرقة تسمى الفطحية، وإنما سميت بذلك لان رئيسا لها يقال له عبد الله بن أفطح، ويقال: إنه كان أفطح الرجلين (1)، ويقال:
بل كان أفطح الرأس، ويقال: إن عبد الله كان هو الأفطح.
قال الشيخ أدام الله عزه: فأما الناووسية فقد ارتكبت في إنكارها وفاة أبي عبد الله عليه السلام ضربا من دفع الضرورة وإنكار المشاهدة، لان العلم بوفاته كالعلم بوفاة أبيه من قبله، ولا فرق بين هذه الفرقة وبين الغلاة الدافعين لوفاة أمير المؤمنين عليه السلام وبين من أنكر مقتل الحسين عليه السلام ودفع ذلك وادعى أنه كان مشبها للقوم، فكل شئ جعلوه فصلا بينهم وبين من ذكرناه فهو دليل على بطلان ما ذهبوا إليه في حياة أبي عبد الله عليه السلام، وأما الخبر الذي تعلقوا به فهو خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا، ولو رواه ألف إنسان وألف ألف لما جاز أن يجعل ظاهره حجة في دفع الضرورات وارتكاب الجهالات بدفع المشاهدات، على أنه يقال لهم: ما أنكرتم أن يكون هذا القول إنما صدر من أبي عبد الله عند توجهه إلى العراق ليؤمنهم من موته في تلك الأحوال، ويعرفهم رجوعه إليهم من العراق، ويحذرهم من قبول أقوال المرجفين به (2) المؤدية إلى الفساد، ولا يجب أن يكون ذلك مستغرقا لجميع الأزمان، وأن يكون على العموم في كل حال، ويحتمل أن يكون أشار إلى جماعة علم أنهم لا يبقون بعده وأنه يتأخر عنهم فقال: " من جاءكم من هؤلاء " فقد جاء في بعض الأسانيد " من جاءكم منكم " وفي بعضها " من جاءكم من أصحابي " وهذا يقتضي الخصوص.
وله وجه آخر وهو أنه عنى بذلك كل الخلق ما سوى الإمام القائم من بعده لأنه ليس يجوز أن يتولى غسل الامام وتكفينه ودفنه إلا الإمام القائم مقامه عليه السلام إلا أن تدعو ضرورة إلى غير ذلك، فكأنه أنبأهم بأنه لا ضرورة تمنع القائم من بعده عن