روايات البخاري: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع التنازع.. صريح في الغيظ والتأذي بتلك المخالفة، وهل يجوز عاقل أن ينطق بمثل هذا الكلام في مقام تصويب الرأي من وصفه الله سبحانه بالخلق العظيم، وبعثه رحمة للعالمين؟!
وكيف لم يأمر صلى الله عليه وآله من كان يؤذيه بطول الجلوس في بيته بالقيام والخروج ويستحي من إظهار ذلك، حتى نزل قوله: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إنه ولكن إذا دعيتم فأدخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلك كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق) * (1)، فكيف أستحيي من الامر بقيام من كان يؤذيه وأمر به من اهتدى إلى الصواب في مثل ذلك الامر الذي يعم نفعه الأمة طرا ويعظم بلواه، ومع قطع النظر عن ذلك فسقم هذا الرأي مما لا ريب فيه، فإن قوله: حسبنا كتاب الله.. يدل على أنه لا خوف على الأمة من الضلال بعد كتاب الله في حكم من الاحكام، وإلا لم يصح الاستناد إليه في منع كتابة ما أراده النبي صلى الله عليه وآله ولم يصرح بتعيينه، والآيات التي يستنبط منها الاحكام - كما ذكروا - خمسمائة آية أو قريب منها، وظاهر أنها ليست في الظاهر مدركا لكثير من الاحكام، وليس دلالتها على وجه يقدر على استنباط الحكم منها كل أحد، ولا يقع في فهمه اختلاف بين الناس حتى ينسد باب الضلال، ومن راجع كلام المفسرين أدنى مراجعة علم أنه ليس آية إلا وقد اختلفوا في فهمها واستخراج الاحكام منها على أقوال متضادة ووجوه مختلفة، والكتاب الكريم مشتمل على ناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، وظاهر ومؤول، وعام وخاص، ومطلق ومقيد.. وغير ذلك مما لا يصيب في فهمه إلا الراسخون في العلم المعصومون من الزيغ والضلال، ومن ذلك يعلم أنه لم يكن غرضه صلى الله عليه وآله إلا تعيين الأوصياء إلى يوم القيامة، لأنه إذا كان كتاب الله عز وجل بطوله