أن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين الكتابة، وهل يسمى فوت أمر مباح أو مندوب رزية كل الرزية، ويبكي عليه حتى يبل الدمع الحصى، ولا ينكر من له أدنى ألفة بكلام العرب أنهم يكتفون في فهم المعاني المجازية ونفي الحقايق بقرائن أخفى من هذا، فكيف بالمعنى الحقيقي إذا اقترن بمثل تلك القرينة؟ على أن اشتغال الرسول صلى الله عليه وآله في حال المرض وشدة الوجع، ودنو الرحيل، وفراق الأمة التي بعثه الله تعالى بشيرا ونذيرا لهم بكتابة ما كان نسبة الخير والشر إليه على حد سواء، حتى يكون رده وقبوله مفوضا إليهم ومرجوعا إلى اختيارهم، مما لا يقول به إلا من بلغ الغاية في السفه والنوك (1)، فبقي أن يكون من الأمور المستحسنة، وإن كان على وجه الندب فظاهر أن رد ما استحسنه له الرسول صلى الله عليه وآله وحكم به ولو على وجه الندب وظن أن الصواب في خلافه، وعده من الهذيان تقبيح قبيح لرأي من لا ينطق عن الهوى، وتجهيل وتضليل لمن لا يضل ولا يغوى، وليس كلامه إلا وحيا يوحى، وهو في معنى الرد على الله سبحانه، وعلى حد الشرك بالله.
ولعل المجوزين للاجتهاد في مقابلة النص - ولو على وجه الاستحباب - لا يقولون بجواز الرد عليه على هذا الوجه المشتمل على إساءة الأدب وتسفيه الرأي.
فإن قيل: إذا كان أمره صلى الله عليه وآله بإحضار ما طلب على وجه الايجاب والالزام للخوف في ترك الكتابة من ترتب مفسدة عظيمة - هي ضلال الأمة - فكيف تركها رسول الله صلى الله على وآله ولم يصر على المطلب؟ وهل هذا إلا تقصير في هداية الأمة واللطف بهم؟.
قلنا: لعله صلى الله عليه وآله لما رأي من حال الحاضرين إمارة العصيان، وشاهد منهم إثارة الفتنة وتهييج الشر خاف من أن يكون في الوصية وتأكيد