البخاري في باب العلم صريح في أن عمر نسب إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قد غلبه الوجع، ولا يلزمنا إجابته في إحضار الكتاب، وظاهر أن قائل: ماله أهجر؟ استفهموه، هو قائل: قد قلبه الوجع، وإن مفاد العبارتين واحد، ومعلوم من سياق مجموع الاخبار أن اللغط والاختلاف لم يحصلا إلا من قول عمر، وأن ترك النبي صلى الله عليه وآله الكتابة لم يكن إلا من جهته، وأنه آذاه وأغاظه.
وأما الاعتذار بأنه صدر منه هذا الكلام من الدهشة فهو باطل، لأنه لو كان كذلك لكان يلزمه أن يتدارك ذلك بما يظهر للناس أنه لا يستخف بشأنه صلى الله عليه وآله.
وأيضا لو كان في هذه الدرجة من المحبة له صلى الله عليه وآله بحيث يضطرب بسماع ما هو مظنة وفاته صلى الله عليه وآله إلى حد يختل نظام كلامه لكان تلك الحالة أشد بعد تحقق الوفاة، ولو كان كذلك لم يبادر إلى السقيفة قبل تجهيزه صلى الله عليه وآله وغسله ودفنه، ولو سلم ذلك فهو لا ينفعه، لان مناط الطعن مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وآله وممانعته فيما يوجب صلاح عامة المسلمين إلى يوم القيامة، والسهو في خصوص عبارة لا ينفع في ذلك.
وأما ما نقله عن القوم في ذلك فالاعتراض عليه من وجوه:
الأول: إن ما ذكره أولا - من أن فهم البعض أن أمره صلى الله عليه وآله باحضار ما طلب كان مردودا إلى اختيارهم - ظاهر الفساد، فإن الامر مع أنه ظاهر في الوجوب - كما حرر في محله - قد اقترن به في المقام ما يمنع من أن يراد به الندب أو الإباحة، فإن النبي صلى الله عليه وآله علل الكتاب بأن: لا يضلوا بعده، وظاهر أن الامر الذي يكون في تركه ضلال الأمة لا يكون مباحا ولا مندوبا، وليس مناط الوجوب إلا قوة المصلحة وشدة المفسدة، وقد علل من منع الاحضار بأنه صلى الله عليه وآله يهجر، كما صرحت به الرواية الثانية المتقدمة، أو أنه قد غلبه الوجع، وظاهر أن هذا الكلام لا ارتباط له بفهم الإباحة أو الندب.
ويؤيده قول ابن عباس - مع اعتراف الجمهور له بجودة الفهم وإصابة النظر -