(ولو أنزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا) إن الله تبارك وتعالى إنما أحب أن يعرف بالرجال، وأن يطاع بطاعتهم فجعلهم سبيله ووجهه الذي يؤتى منه، لا يقبل الله من العباد غير ذلك، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فقال فيما أوجب (١) ذلك من محبته لذلك:
﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا﴾ (2) فمن قال لك: إن هذه الفريضة كلها إنما هي رجل وهو يعرف حد ما يتكلم به فقد
صدق، ومن قال على الصفة التي ذكرت بغير الطاعة فلا يغني التمسك في الأصل بترك الفروع، كما لا تغني
شهادة أن لا إله إلا الله بترك
شهادة أن محمدا رسول الله، ولم
يبعث الله نبيا قط إلا بالبر والعدل والمكارم ومحاسن الأخلاق ومحاسن الأعمال
والنهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فالباطن منه ولاية أهل
الباطل، والظاهر منه فروعهم، ولم
يبعث الله نبيا قط يدعو إلى معرفة ليس معها طاعة في أمر ونهي، فإنما يقبل الله من العباد العمل بالفرائض التي افترضها الله على حدودها مع معرفة من جاءهم به من عنده ودعاهم إليه، فأول ذلك معرفة من دعاء إليه، ثم طاعته فيما يقربه بمن الطاعة له، وإنه من عرف أطاع، ومن أطاع حرم الحرام ظاهره وباطنه، ولا يكون تحريم الباطن واستحلال الظاهر، إنما حرم الظاهر بالباطن والباطن بالظاهر معا جميعا، ولا يكون الأصل والفروع وباطن الحرام حرام وظاهره حلال ولا يحرم الباطن ويستحل الظاهر، وكذلك لا يستقيم أن يعرف
صلاة الباطن ولا يعرف
صلاة الظاهر، ولا
الزكاة ولا
الصوم ولا
الحج ولا العمرة ولا
المسجد الحرام وجميع (3) حرمات الله وشعائره وأن يترك معرفة الباطن، لان باطنه ظهره، ولا يستقيم إن ترك (4) واحدة منها إذا كان الباطن حراما خبيثا