إن المراد عصمتهم فيما اتفقوا عليه، ويكون ذلك أليق بالظاهر، وبعد فالواجب حمل الكلام على ما يصح أن يوافق العترة فيه الكتاب، وقد علمنا أن في كتاب الله تعالى دلالة على الأمور، فيجب أن يحمل قوله صلى الله عليه وآله في العترة على ما يقتضي كونه دلالة، وذلك لا يصح إلا بأن يقال: إن إجماعها حق ودليل، فأما طريقة الامامية فمباينة لهذا الفصل والمقصد، وقد قال شيخنا أبو علي: إن ذلك إن دل على الإمامة فقوله: " اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر " يدل على ذلك، وقوله: " إن الحق ينطق على لسان عمر وقلبه " يدل على أنه الامام، وقوله عليه السلام: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " كمثل ذلك.
ثم قال في جواب هذه الكلمات يقال له: أما قوله: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " فإنه دال على أن إجماع أهل البيت حجة على ما أقررت به ودال أيضا بعد ثبوت هذه الرتبة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي بغير فصل وعلى غير ذلك مما أجمع أهل البيت عليه، ويمكن أيضا أن يجعل حجة ودليلا على أنه لابد في كل عصر في جملة هذا البيت (1) من حجة معصوم مأمون يقطع على صحة قوله، وقوله: " إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح " يجرى مجرى الخبر الأول في التنبيه على أهل البيت والارشاد إليهم، وإن كان الخبر الأول أعم فائدة وأقوى دلالة، ونحن نبين الجملة التي ذكرناها، فإن قيل: دلوا على صحة الخبر قبل أن تتكلموا في معناه، قلنا: الدلالة على صحته تلقي الأمة له بالقبول، وإن أحدا منهم مع اختلافهم في تأويله لم يخالف في صحته، وهذا يدل على أن الحجة قامت به في أصله، وأن الشك مرتفع فيه (2) ومن شأن علماء الأمة إذا ورد عليهم خبر مشكوك في صحته أن يقدموا الكلام في أصله، و إن الحجة به غير ثابتة، ثم يشرعوا في تأويله، فإذا رأينا جميعهم عدلوا عن هذه