وضع الطيب بين يديه، فغضب النجاشي وهم بقتل عمارة، ثم قال: لا يجوز قتله، فإنهم دخلوا بلادي بأمان، فدعا النجاشي السحرة فقال لهم: اعملوا به شيئا أشد عليه من القتل فأخذوه ونفخوا في إحليله الزيبق، فصار مع الوحش يغدو ويروح، وكان لا يأنس بالناس فبعثت قريش بعد ذلك فكمنوا له في موضع حتى ورد الماء مع الوحش فأخذوه، فما زال يضطرب في أيديهم ويصيح حتى مات، ورجع عمرو إلى قريش فأخبرهم أن جعفرا في أرض الحبشة في أكرم كرامة، فلم يزل بها حتى هادن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قريشا وصالحهم وفتح خيبر أتى بجميع من معه (1) وولد لجعفر بالحبشة من أسماء بنت عميس عبد الله بن جعفر وولد للنجاشي ابنا فسماه النجاشي محمدا، وكانت أم حبيب بنت أبي سفيان تحت عبد الله فكتب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى النجاشي يخطب أم حبيب، فبعث إليها النجاشي فخطبها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فأجابته، فزوجها منه، وأصدقها أربعمائة دينار، وساقها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعث إليها بثياب وطيب كثير وجهزها وبعثها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبعث إليه بمارية القبطية أم إبراهيم، وبعث إليه بثياب وطيب وفرس، وبعث ثلاثين رجلا من القسيسين فقال لهم: انظروا إلى كلامه، وإلى مقعده (2) ومشربه ومصلاه، فلما وافوا المدينة دعاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الاسلام وقرأ عليهم القرآن، " وإذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك " إلى قوله: " فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين (3) ".
فلما سمعوا ذلك من رسول الله بكوا وآمنوا ورجعوا إلى النجاشي وأخبروه خبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقرؤوا عليه ما قرأ عليهم، فبكي النجاشي، وبكى القسيسون، وأسلم النجاشي ولم يظهر للحبشة إسلامه، وخافهم على نفسه، وخرج من بلاد الحبشة يريد النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما عبر البحر توفي، فأنزل الله على رسوله: " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود " إلى قوله: " وذلك جزاء المحسنين ".