عليكم ديون، قال: فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها؟ قال عمرو: لا، قال: فما تريدون منا؟ آذيتمونا فخرجنا من دياركم، ثم قال: أيها الملك بعث الله فينا نبيا أمرنا بخلع الأنداد، وترك الاستقسام بالأزلام، وأمرنا بالصلاة والزكاة والعدل والاحسان، و إيتاء ذي القربى ونهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي، فقال النجاشي: بهذا بعث الله عيسى (عليه السلام) ثم قال النجاشي لجعفر: هل تحفظ مما أنزل الله على نبيك شيئا؟ قال: نعم، فقرأ سورة مريم (1)، فلما بلغ قوله: " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا (2) " قال: هذا والله هو الحق، فقال عمرو: إنه مخالف لنا فرده إلينا، فرفع النجاشي يده و ضرب وجه عمرو، وقال: اسكت، والله إن ذكرته بسوء لأفعلن بك، وقال: أرجعوا إلى هذا هديته، وقال لجعفر وأصحابه: امكثوا فإنكم سيوم، والسيوم: الآمنون، وأمر لهم بما يصلحهم من الرزق، فانصرف عمرو وأقام المسلمون هناك بخير دار، وأحسن جوار إلى أن هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلا أمره، وهادن قريشا، وفتح خيبر، فوافى جعفر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بجميع من كانوا معه. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا أدري أنا بفتح خيبر أسر أم بقدوم جعفر؟ ووافى جعفر وأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سبعين رجلا، منهم اثنان و ستون من الحبشة، وثمانية من أهل الشام، فيهم بحيرا الراهب، فقرأ عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) سورة " يس (3) " إلى آخرها، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا، وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى (عليه السلام)؟ فأنزل الله فيهم هذه الآيات، وقال مقاتل والكلبي: كانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة (4)، وثمانية روميون من أهل الشام " لتجدن أشد الناس " وصف اليهود والمشركين بأنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين، لان اليهود ظاهروا المشركين على المؤمنين، مع أن المؤمنين يؤمنون بنبوة موسى والتوراة التي أتى بها، فكان ينبغي أن يكونوا إلى من وافقهم في الايمان بنبيهم وكتابهم أقرب، وإنما
(٤١٣)