حيث كان أميا وكانوا يكتبون، فلو القي عليه جملة لتعيي (1) بحفظه، ولان نزوله بحسب الوقائع يوجب مزيد بصيرة وخوض في المعنى، ولأنه إذا نزل منجما (2) ويتحدى بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك قوة قلبه، ولأنه إذا نزل به جبرئيل حالا بعد حال يثبت به فؤاده، ومن فوائد التفريق معرفة الناسخ والمنسوخ، ومنها انضمام القرائن الحالية إلى الدلالات اللفظية، فإنه يعين على البلاغة " ورتلناه ترتيلا " أي وقرأنا عليك شيئا بعد شئ على توءدة وتمهل في عشرين سنة، أو ثلاث وعشرين سنة (3).
قوله تعالى: " ما كان لبشر " أي لا يصح له " أن يكلمه الله إلا وحيا " أي إلهاما و قذفا في القلوب، أو إلقاء في المنام " أو من وراء حجاب " أي يكلمه من وراء حجاب كما كلم موسى (عليه السلام) بخلق الصوت في الطور، وكما كلم نبينا (صلى الله عليه وآله) في المعراج، وهذا إما على سبيل الاستعارة والتشبيه، فإن من يسمع الكلام ولا يرى المتكلم، يشبه حاله بحال من يكلم من وراء حجاب، أو المراد بالحجاب الحجاب المعنوي من كماله تعالى، ونقص الممكنات، ونوريته تعالى، وظلمانية غيره، كما سبق تحقيقه في كتاب التوحيد " أو يرسل رسولا، أي ملكا " فيوحي بإذنه ما يشاء "، فظهر أن وحيه تعالى منحصر في أقسام ثلاثة: إما بالالهام والالقاء في المنام، أو بخلق الصوت بحيث يسمعه الموحى إليه، أو بإرسال ملك، وعلم الملك أيضا يكون على هذه الوجوه (4)، والملك الأول (5) لا يكون علمه إلا بوجهين منها، وقد يكون بأن يطالع في اللوح، وسيأتي تحقيقه في الاخبار " إنه علي " عن أن يدرك بالابصار " حكيم " في جميع الأفعال " وكذلك أوحينا إليك روحا " قيل:
المراد القرآن، وقيل جبرئيل وسيأتي في الاخبار أن المراد به روح القدس، فعلى الأخيرين المراد ب " أوحينا " أرسلنا " من أمرنا " أي بأمرنا " أو أنه من عالم الامر، وقد مر تحقيقه و