لا محالة، فكنت إذا قلت ذلك يلتفت إلي الصبي فيفتح عينية ويضحك في وجهي، وأنا متعجبة من ذلك، فلما توسطنا مكة قلت: لصاحبي: سل من أعظم الناس قدرا " بمكة، فسأل عن ذلك فقيل له: عبد المطلب بن هاشم، فقلت له: سل من أعظم قريش ممن ولد له في عامه هذا، فقيل لي: آل مخزوم، قالت: فأجلست صاحبي في الرحل وانطلقت إلى بني مخزوم، فإذا أنا بجميع نساء بني سعد قد سبقنني إلى كل مولود بمكة، فبقيت لا أدري ما أقول، وندمت على دخولي مكة، فبينا أنا كذلك إذا بعبد المطلب، وجمته (1) تضرب منكبه، ينادي بنفسه بأعلى صوته: هل بقي من الرضاع أحد، فإن عندي بنيا " لي يتيما " وما عند اليتيم من الخير، إنما يلتمس كرامة الاباء، قالت: فوقفت لعبد المطلب وهو يومئذ كالنخلة طولا، فقلت: أنعم صباحا " أيها الملك المنادي، عندك رضيع ارضعه، فقال هلمي، فدنوت منه، فقال لي: من أين أنت؟ فقلت: امرأة من بني سعد، فقال لي: إيه إيه (2) كرم وزجر، ثم قال لي: ما اسمك؟ فقلت: حليمة، فضحك وقال: بخ بخ خلتان حسنتان: سعد وحلم، هاتان خلتان فيها غنى الدهر، ويحك يا حليمة عندي بني لي يتيم اسمه محمد، وقد عرضته على جميع نساء بني سعد فأبين أن يقبلنه، وأنا أرجو أن تسعدي به، قالت:
فقلت له: إني منطلقة إلى صاحبي ومشاورته في ذلك، قال لي: إنك لترضعين غير كارهة، قالت: قلت: بالله لأرجعن إليك، قالت: فرجعت إلى صاحبي فلما أخبرته الخبر كأن الله قد قذف في قلبه فرحا "، ثم قال لي: يا حليمة بادري إليه لا يسبقك إليه أحد، قالت:
وكان معي ابن أخت لي يتيم، قال: هيهات إني أراكم لا تصيبون في سفركم هذا خيرا "، هؤلاء نساء بني سعد يرجعن بالرضاع والشرف، وترجعون أنتم باليتيم، قالت: فأردت والله لأرجع (3) إليه، فكأن الله قذف في قلبي إن فارقك محمد لا تفلحين، وأخذتني الحمية وقلت: هؤلاء نساء بني سعد يرجعن بالرضاع والشرف، وأرجع أنا بلا رضاع؟ والله لآخذنه وإن كان يتيما "، فلعل الله أن يجعل فيه خيرا "، قالت: فرجعت إلى عبد المطلب، فقلت له: