بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٨٧
حرم على نساء العام أن يلدن البنات من أجل مولد في قريش، وشمس النهار، وقمر الليل، فطوبى لثدي أرضعته، ألا فبادرن إليه يا نساء بني سعد، قالت: فنزلنا في جبل و عزمنا على الخروج إلى مكة، فخرج نساء بني سعد على جهد منهن ومخمصة (1)، وخرجت أنا مع بني لي على أتان لي معناق (2) تسمع لها في جوفها خضخضة (3)، قد بدأ عظامها من سوء حالها، وكانت تخفضني طورا "، وترفعني آخر، ومعي زوجي، فكنت في طريقي أسمع العجائب من كل ناحية، لا أمر بشئ إلا استطال إلي فرحا "، وقال لي: طوبى لثديك يا حليمة، انطلقي فإنك ستأتين بالنور الساطع، والهلال البدري، فاكتمي شأنك وكوني من وراء القوم، فقد نزلت بشاراتك، قالت: فكنت أقول لصاحبي: تسمع ما أسمع؟ فيقول: لا، مالي أراك كالخائفة الوجلة تلتفتين يمنة " ويسرة "، مري أمامك، فقد تقدم نساء بني سعد، وإني أخاف أن يسبقني إلى كل مولود بمكة، قالت: فجعلنا نجد في المسير والأتان كأنها تنزع حوافرها من الظهر نزعا "، فبينا أنا في مسيري إذا أنا برجل في بياض الثلج، وطول النخلة الباسقة، ينادي من الجبل: يا حليمة مري أمامك، فقد أمرني الله عز وجل أن أدفع عنك كل شيطان رجيم، قالت: حتى إذا صرنا على فرسخين من مكة بتنا ليلتنا تلك، فرأيت في منامي كان على رأسي شجرة خضراء، قد ألقت بأغصانها حولي، ورأيت في فروعها شجرة كالنخلة، قد حملت من أنواع الرطب، و كان جميع من خرج معي من نساء بني سعد حولي، فقلن: يا حليمة أنت الملكة علينا، فبينا أنا كذلك إذ سقطت من تلك الشجرة في حجري تمرة فتناولتها ووضعتها في فمي، فوجدت لها حلاوة كحلاوة العسل، فلم أزل أجد طعم ذلك (4) في فمي حتى فارقني رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما أصبحت كتمت شأني، قلت: إن قضى الله لي أمرا " فسوف يكون، ثم ارتحلنا حتى نزلنا مكة يوم الاثنين وقد سبقني نساء بني سعد، وكان الصبي الذي معي قد ولدته لا يبكي ولا يتحرك ولا يطلب لبنا "، فكنت أقول لصاحبي: هذا الصبي ميت

(1) المخمصة: خلاء البطن من الطعام. مجاعة تورث خمص البطن وضموره.
(2) هكذا في الأصل والمصدر، والمعناق: الدابة السريع السير. طويل العنق.
(3) الخضخضة: الحركة.
(4) أي في يقظتي بعد.
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 ... » »»
الفهرست