بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٨٦
وهي أنه روي أنه كان من سببها أن الله أجدب البلاد والزمان، فدخل ذلك على عامة الناس، وكانت حليمة تحدث عن زمانها وتقول: كان الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله في جهد شديد، وكنا أهل بيت مجدبين، وكنت امرأة طوافة، أطوف البراري والجبال، ألتمس الحشيش والنبات، فكنت لا أمر على شئ من النبات إلا قلت: الحمد لله الذي أنزل بي هذا الجهد والبلاء، ولما ولد النبي صلى الله عليه وآله خرجت إلى ناحية مكة ولم أكن ذقت شيئا " منذ ثلاثة أيام، وكنت التوي كما تلتوي الحية، وكنت ولدت ليلتي تلك غلاما " فلم أدر أجهد الولادة أشكو أم جهد نفسي، فلما بت ليلتي تلك أتاني رجل في منامي فحملني حتى قذفني في ماء أشد بياضا " من اللبن، وقال: يا حليمة أكثري من شرب هذا الماء ليكثر لبنك، فقد أتاك العز وغناء الدهر، تعرفينني؟ قلت: لا، قال أنا الحمد لله الذي كنت تحمدينه في سرائك وضرائك، فانطلقي إلى بطحاء مكة، فإن لك فيها رزقا " واسعا "، واكتمي شأنك ولا تخبري أحدا "، ثم ضرب بيده على صدري، فقال: أدر الله لك اللبن، وأكثر لك الرزق، فانتبهت وأنا أجمل نساء بني سعد، لا أطيق أن أسبل (1) ثديي، كأنهما الجر العظيم، يتسيب (2) منهما لبن، وأرى الناس حولي من نساء بني سعد ورجالهم في جهد من العيش، إنما كنا نرى البطون لازقة بالظهور، والألوان شاحبة (3) متغيرة، لا نرى في الجبال الراسيات شيئا "، ولا في الأرض شجرا "، وإنما كنا نسمع من كل جانب أنينا " كأنين المرضى، وكادت العرب أن تهلك هزالا " وجوعا "، فلما أصبحت حليمة وإنها لفي جهد من العيش وتغير من الحال، وقد أصبحت اليوم تشبه بنات الملوك، قلن: إ لها شأنا " عظيما "، ثم احدقن بي يسألنني عن قصتي، فكنت لا أحير جوابا "، فكتمت شأني لأني بذلك كنت أمرت، ولم تبق امرأة في بني سعد ذات زوج إلا وضعت غلاما "، ورأيت الرؤوس المشتعلة بالشيب قد عادت سودا " لبركة مولد رسول الله صلى الله عليه وآله، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتا " ينادي: ألا إن قريشا " قد وضعت العام كل بطونها، وإن الله قد

(1) أسبل الدمع: أرسله. الماء: صبه.
(2) هكذا في الأصل، وفي المصدر: يتسبسب وهو الصحيح أي يسيل.
(3) شحب لونه: تغير من جوع أو مرض ونحوهما.
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 ... » »»
الفهرست