وقالوا لهم: ما بال أغنام حليمة بنت أبي ذؤيب تحمل وتضع وتدر وتحلب، وأغنامنا لا تحمل ولا تضع ولا تأتي بخير؟ اسرحوا حيث تسرح رعاة بنت أبي ذؤيب حتى تروح غنمكم (1) شباعا " حافلة، قالت: فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والبركة والفضل والخير ببركة النبي صلى الله عليه وآله حتى كنا نتفضل على قومنا، وصاروا يعيشون في أكنافنا، فكنت أرى من يومه (2) عجبا "، ما رأيت له بولا قط، ولا غسلت له وضوءا " قط، طهارة ونظافة، وذلك أني كنت أسبق إلى ذلك، وكان له في كل يوم وقت واحد يتوضأ فيه ولا يعود إلى وقته من الغد، ولم يكن شئ أبغض إليه من أن يرى جسده مكشوفا "، فكنت إذا كشفت عن جسده يصيح حتى أستر عليه، فانتبهت ليلة من الليالي فسمعته يتكلم بكلام لم أسمع كلاما " قط أحسن منه، يقول: (لا إله إلا الله قدوسا " قدوسا "، وقد نامت العيون والرحمن لا تأخذه سنة ولا نوم) وهو عند أول ما تكلم، فكنت أتعجب من ذلك، وكان يشب شبابا " لا يشبه الغلمان، ولم يبك قط، ولم يسئ خلقه، ولم يتناول بيساره، وكان يتناول بيمينه، فلما بلغ المنطق لم يمس شيئا " إلا قال: (بسم الله) فكنت معه في كل دعة (3) وعيش وسرور، وكنت قد اجتنبت الزوج لا أغتسل منه هيبة " لرسول الله صلى الله عليه وآله، حتى تمت له سنتان كاملتان، وقد ثمر (4) الله لنا الأموال، وأكثر لنا من الخير، فكانت تحمل لنا الأغنام، وتنبت لنا الأرض، وقد ألقى الله محبته على كل من رآه، فبينا هو قاعد في حجري إذا مرت (5) به غنيماتي فأقبلت شاة من الغنم حتى سجدت له، وقبلت رأسه، فرجعت إلى صويحباتها، وكان ينزل عليه في كل يوم نور كنور الشمس فيغشاه ثم ينجلي عنه، وكان أخواه من الرضاعة يخرجان فيمران بالغلمان فيلعبان معهم، وإذا رآهم محمد صلى الله عليه وآله اجتنبهم وأخذ بيد أخويه ثم قال لهما: إنا لم نخلق لهذا، فلما
(٣٩١)