بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٩٠
قاعد عند رأسه يقبل بين عينيه، فأنبهت صاحبي رويدا " فقلت: انظر إلى العجب العجيب، قال: اسكتي واكتمي شأنك، فمنذ ولد هذا الغلام قد أصبحت أحبار الدنيا على أقدامها قياما "، لا يهنؤها عيش النهار، ولا نوم الليل، وما رجع أحد من البلاد أغنى منا، فلما أصبحنا من الغد وعزمنا على الخروج ركبت أتاني وحملت بين يدي محمدا " صلى الله عليه وآله، وخرجت معي آمنة تشيعني، فجعلت الأتان تضرب بيدها ورجلها الأرض وترفع رأسها إلى السماء فرحة مستبشرة، ثم تحولت بي نحو الكعبة، فسجدت ثلاث سجدات، حتى استوينا مع الركب سبقت الأتان كل دوابهم، فقالت نساء بني سعد: يا بنت أبي ذؤيب أليس هذا أتانك التي كانت تخفضك طورا " وترفعك آخر؟ فقلت: نعم، فقلن: بالله إن لها لشأنا " عظيما "، فكنت أسمع الأتان تقول: إي والله وإن لي لشأنا "، ثم شأنا "، أحياني الله عز وجل بعد موتي، ورد علي سمني بعد هزالي، ويحكن يا نساء بني سعد إنكن لفي غفلة، أتدرين من حملت؟ حملت سيد العرب محمدا " رسول الله رب العالمين (1)، هذا ربيع الدنيا وزهرة الآخرة، وأنا أنادي من كل جانب: استغنيت يا حليمة آخر دهرك، فأنت سيدة نساء بني سعد، قالت: فمررت براع يرعى غنما " له، فلما نظرت الغنم إلي جعلن يستقبلن وتعدو إلي كما تعدو سخالها (2)، فسمعت من بينها قائلا يقول: أقر الله عينك يا حليمة، أتدرين ما حملت؟ هذا محمد رسول رب العالمين، إلى كل ولد آدم من الأولين والآخرين، قالت: فشيعتني أمه ساعة وأوصتني فيه بوصايا، ورجعت كالباكية، قالت: وليس كل الذي رأيت في طريقي أحسن وصفه، إلا أني لم أنزل منزلا إلا أنبت الله عز وجل فيه عشبا "، وخيرا " كثيرا "، وأشجارا " قد حملت من أنواع الثمر، حتى أتيت به منزل بني سعد، وما نعلم والله أن أرضا " كانت أجدب منها، ولا أقل خيرا "، وكانت لنا غنيمات دبرات (3) مهزولات، فلما صار رسول الله صلى الله عليه وآله في منزلي صارت غنمي تروح شباعا " حافلة، تحمل وتضع وتدر وتحلب، ولا تدر في بني سعد لاحد من الناس غيري، فجمعت بنو سعد رعاتها

(1) في المصدر زيادة بعد ذلك هي: صنوان وغير صنوان.
(2) في المصدر: إلى سخولها. قلت: السخال: ولد الشاة.
(3) الدبر: المصاب بالدبرة: قرحة الدابة تحدث من الرجل ونحوه.
(٣٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 385 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 ... » »»
الفهرست