تم له ثلاث سنين قال لي يوما "، يا أماه مالي لا أرى أخوي بالنهار؟ قلت له: يا بنى إنهما يرعيان غنيمات، قال: فما لي لا أخرج معهما؟ قلت له: تحب ذلك؟ قال: نعم، فلما أصبح دهنته وكحلته وعلقت في عنقه خيطا " فيه جزع يمانية، فنزعها ثم قال لي:
مهلا يا أماه فإن معي من يحفظني، قالت: ثم دعوت با بني فقلت لهما: أوصيكما بمحمد خيرا "، لا تفارقاه، وليكن نصب أعينكما، قالت: فخرج مع أخويه في الغنم، فبينا هم يترامون بالجلة يعني البعر إذ هبط جبرائيل وميكائيل ومعهما طست من ذهب فيه ماء وثلج فاستخرجاه من الغنم والصبية فأضجعاه وشقا بطنه، وشرحا صدره، فاستخرجا منه نكتة سوداء وغسلاه بذلك الماء والثلج، وحشيا بطنه نورا "، ومسحا عليه فعاد كما كان، قالت: فلما رأى أخواه ذلك أقبل أحدهما اسمه ضمرة يعدو وقد علاه النفس وهو يقول: يا أمه أدركي أخي محمدا " وما أراك تدركينه، قالت: فقلت: وما ذاك؟ قال: أتاه رجلان عليهما ثياب خضر فاستخرجاه من بيننا وبين الغنم فأضجعاه وشقا بطنه، وهما يتوطئانه، قالت: فخرجت أنا وأبوه ونسوة من الحي فإذا أنا به قائما " ينظر إلى السماء، كأن الشمس تطلع من وجهه، فالتزمته والتزمه أبوه، ووالله لكأنما غمس في المسك غمسة، وقال له أبوه: يا بنى مالك؟
قال: خير يا أبه، أتاني رجلان انقضا على من السماء كما ينقض الطير (1) فأضجعاني وشقا بطني، وحشياه بشئ كان معهما، ما رأيت ألين منه، ولا أطيب ريحا " ومسحا على بطني، فعدت كما كنت، ثم وزناني بعشرة من أمتي فرجحتهم، فقال أحدهما: فلو وزنته بأمته كلها لرجح، وطارا كذلك حتى دخلا السماء، قالت: فحملناه إلى خيم لنا، فقال الناس: اذهبوا به إلى كاهن حتى ينظر إليه ويداويه، فقال محمد: ما بي شئ مما تذكرون، وإني أرى نفسي سليمة، وفؤادي صحيحا " بحمد الله، فقال الناس: أصابه لمم أو طائف (2) من الجن.