أقول: وساق الخبر إلى آخر ما رواه المفضل، وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرحه: الجبر هو الحمل على الفعل، والاضطرار إليه بالقسر والغلبة، وحقيقة ذلك إيجاد الفعل في الخلق من غير أن يكون له قدرة على دفعه والامتناع من وجوده فيه، وقد يعبر عما يفعله الانسان بالقدرة التي معه على وجه الاكراه له على التخويف و الالجاء أنه جبر، والأصل فيه ما فعل من غير قدرة على امتناعه منه حسب ما قدمناه، وإذا تحقق القول في الجبر على ما وصفناه كان مذهب الجبر هو قول من يزعم أن الله تعالى خلق في العبد الطاعة من غير أن يكون للعبد قدرة على ضدها والامتناع منها، وخلق فيهم المعصية كذلك، فهم المجبرة حقا، والجبر مذهبهم على التحقيق، والتفويض هو القول برفع الحظر (1) عن الخلق فالافعال والإباحة لهم، مع ما شاؤوا من الاعمال، وهذا قول الزنادقة وأصحاب الإباحات، والواسطة بين هذين القولين أن الله أقدر الخلق على أفعالهم، ومكنهم من أعمالهم، وحد لهم الحدود في ذلك، ورسم لهم الرسوم، و نهاهم عن القبائح بالزجر والتخويف والوعد والوعيد، فلم يكن بتمكينهم من الاعمال مجبرا لهم عليها، ولم يفوض إليهم الاعمال لمنعهم من أكثرها، ووضع الحدود لهم فيها، وأمرهم بحسنها ونهاهم عن قبيحها، فهذا هو الفصل بي الجبر والتفويض على ما بيناه.
29 - الإحتجاج: عن هشام بن الحكم قال: سأل الزنديق أبا عبد الله عليه السلام فقال: أخبرني عن الله عز وجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين وكان على ذلك قادرا؟
قال عليه السلام: لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب لان الطاعة إذا ما كانت فعلهم لم تكن جنة ولا نار، ولكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، واحتج عليهم برسله، وقطع عذرهم بكتبه ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون، ويستوجبون بطاعتهم له الثواب، وبمعصيتهم إياه العقاب. قال: فالعمل الصالح من العبد هو فعله،