قال الشيخ البهائي قدس الله روحه في شرح هذا الحديث: الرزق عند الأشاعرة كل ما انتفع به حي، سواء كان بالتغذي أو بغيره، مباحا كان أو لا، وخصه بعضهم بما تربى به الحيوان من الأغذية والأشربة، وعند المعتزلة هو كل ما صح انتفاع الحيوان به بالتغذي أو غيره، وليس لاحد منعه منه فليس الحرام رزقا عندهم، وقال الأشاعرة في الرد عليهم: لو لم يكن الحرام رزقا لم يكن المغتذي طول عمره بالحرام مرزوقا، وليس كذلك لقوله تعالى: " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها " (1) وفيه نظر فإن الرزق عند المعتزلة أعم من الغذاء وهم لم يشترطوا الانتفاع بالفعل، فالمغتذي طول عمره بالحرام إنما يرد عليهم لو لم ينتفع مدة عمره بشئ انتفاعا محللا، ولو بشرب الماء والتنفس في الهواء، بل ولا تمكن من الانتفاع بذلك أصلا، وظاهر أن هذا مما لا يوجد، وأيضا فلهم أن يقولوا: لو مات حيوان قبل أن يتناول شيئا محللا ولا محرما يلزم أن يكون غير مرزوق، فما هو جوابكم فهو جوابنا; هذا، ولا يخفى أن الأحاديث المنقولة في هذا الباب متخالفة، والمعتزلة تمسكوا بهذا الحديث، وهو صريح في مدعاهم غير قابل لتأويل، والأشاعرة تمسكوا بما رووه عن صفوان بن أمية قال:
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ جاء عمر بن قرة فقال: يا رسول الله إن الله كتب علي الشقوة فلا أراني أرزق إلا من دفي بكفي، فاذن في الغناء من غير فاحشة; فقال صلى الله عليه وآله: لا آذن لك ولا كرامة ولا نعمة أي عدو الله لقد رزقك الله طيبا فاخترت ما حرم عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله، أما إنك لو قلت بعد هذه المقالة ضربتك ضربا وجيعا. والمعتزلة يطعنون في سند هذا الحديث تارة ويأولونه على تقدير سلامته أخرى بأن سياق الكلام يقتضي أن يقال: فاخترت ما حرم الله عليك من حرامه مكان ما أحل الله لك من حلاله، وإنما قال صلى الله عليه وآله: من رزقه مكان من حرامه، فأطلق على الحرام اسم الرزق بمشاكلة قوله: فلا أراني أرزق، وقوله صلى الله عليه وآله: لقد رزقك الله، و تمسك المعتزلة أيضا بقوله تعالى: " ومما رزقناهم ينفقون " (2) قال الشيخ في التبيان