بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ١٥١
ما حاصله: أن هذه الآية تدل على أن الحرام ليس رزقا لأنه سبحانه مدحهم بالانفاق من الرزق، والانفاق من الحرام لا يوجب المدح، وقد يقال: إن تقديم الظرف يفيد الحصر وهو يقتضي كون المال المنفق على ضربين: ما رزقه الله، وما لم يرزقه وإن المدح إنما هو على الانفاق مما رزقهم وهو الحلال، لا مما سولت لهم أنفسهم من الحرام ولو كان كل ما ينفقونه رزقا من الله سبحانه لم يستقم الحصر فتأمل. انتهى كلامه رفع الله مقامه.
أقول: إن كان المراد بقولهم: رزقهم الله الحرام أنه خلقه ومكنهم من التصرف فيه فلا نزاع في أن الله رزقهم بهذا المعنى، وإن كان المعنى أنه المؤثر في أفعالهم وتصرفاتهم في الحرام فهذا إنما يستقيم على أصلهم الذي ثبت بطلانه، وإن كان الرزق بمعنى التمكين وعدم المنع من التصرف فيه بوجه فظاهر أن الحرام ليس برزق بهذا المعنى على مذهب من المذاهب، وإن كان المعنى أنه قدر تصرفهم فيه بأحد المعاني التي مضت في القضاء والقدر، أو خذلهم ولم يصرفهم جبرا عن ذلك فبهذا المعنى يصدق أنه رزقهم الحرام; وأما ظواهر الآيات والأخبار الواردة في ذلك فلا يريب عاقل في أنها منصرفة إلى الحلال، كما أومأنا إلى معناه سابقا.
وأما الأسعار فقد ذهبت الأشاعرة إلى أنه ليس المسعر إلا الله تعالى، بناءا على أصلهم من أن لا مؤثر في الوجود إلا الله. وأما الامامية والمعتزلة فقد ذهبوا إلى أن الغلاء والرخص قد يكونان بأسباب راجعة إلى الله، وقد يكونان بأسباب ترجع إلى اختيار العباد; وأما الأخبار الدالة على أنهما من الله فالمعنى أن أكثر أسبابهما راجعة إلى قدرة الله، أو أن الله تعالى لما لم يصرف العباد عما يختارونه من ذلك مع ما يحدث في نفوسهم من كثرة رغباتهم، أو غناهم بحسب المصالح فكأنهما وقعا بإرادته تعالى، كما مر القول فيما وقع من الآيات والأخبار الدالة على أن أفعال العباد بإرادة الله تعالى ومشيته، وهدايته وإضلاله، وتوفيقه وخذلانه; ويمكن حمل بعض تلك الأخبار على المنع من التسعير والنهي عنه; بل يلزم الوالي أن لا يجبر الناس على السعر ويتركهم و اختيارهم، فيجري السعر على ما يريد الله تعالى.
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331