بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ١١٥
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: قوله تعالى: " وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين " قال: لان المشية إليه تبارك وتعالى لا إلى الناس. " ص 714 " بيان: لعل المراد أن المشية إنما هي مما خلقها الله في العبد وجعله شائيا فلا يشاؤون إلا بعد أن جعلهم الله بحيث يقدرون على المشية، أو أن المشية المستقلة التي لا يعارضها شئ إنما هي لله تعالى، وأما مشية العباد فهي مشوبة بالعجز يمكن أن يصرفهم الله تعالى عنها إذا شاء، فهم لا يشاؤون إلا بعد أن يهيئ الله لهم أسباب الفعل ولم يصرفهم عن مشيتهم، فالمعنى أن المشية المستقلة إليه تعالى، أو أن أسباب المشية ونفوذها بقدرته تعالى.
وفي الآية وجه آخر ذكر في الخبر السابق، وحاصله أن الله تعالى بعد أن أكمل أولياءه وحججه عليهم السلام لا يشاؤون شيئا إلا بعد أن يلهمهم الله تعالى ويلقي المشية في قلوبهم، فهو المتصرف في قلوبهم وأبدانهم والمسدد لهم في جميع أحوالهم فالآية خاصة غير عامة. وقال الطبرسي رحمه الله: فيه أقوال: أحدها أن معناه: وما تشاؤون الاستقامة إلا أن يشاء الله ذلك من قبل حيث خلقكم لها وكلفكم بها، فمشيته تعالى بين يدي مشيتكم.
وثانيها: أنه خطاب للكفار والمراد: لا تشاؤون الاسلام إلا أن يشاء الله أن يجبركم عليه ويلجئكم إليه، ولكنه لا يفعل لأنه يريد منكم أن تؤمنوا اختيارا لتستحقوا الثواب.
وثالثها: أن المراد: وما تشاؤون إلا أن يشاء الله أن يلطف لكم في الاستقامة. (1)

(1) قال الشيخ في التبيان: أي وليس يشاؤون شيئا من العمل بطاعته وبما يرضاه ويوصلكم إلى ثوابه إلا والله يشاؤه ويريده، لأنه يريد من عباده أن يطيعوه، وليس المراد أن يشاء كل ما يشاؤه العبد من المعاصي والمباحات، لان الحكيم لا يجوز أن يريد القبائح ولا المباح، لان ذلك صفة نقص وتعالى الله عن ذلك وقد قال الله تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " و المعصية والكفر من أعظم العسر، فكيف يكون الله تعالى شائيا له؟ وهل ذلك إلا تناقض ظاهر؟ انتهى.
أقول: النظر في الآية وسابقتها وهي قوله تعالى: " إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا " ولاحقتها وهي قوله تعالى: " إن الله كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعدلهم عذابا أليما " يعطى المراد ويفيد المغزى، وهو أن الله تعالى أثبت لهم المشيئة وأثبت أن وقوع مشاهم إنما يكون في صورة مشيئته، فلو كان أراد ذلك حقيقة لم يكن لاستناد الظلم إليهم معنى، لأنهم كانوا فيما ظلموا كارهين غير مختارين، بل كان استناد ذلك إليه تعالى أقوى وأولى، كما أن الآيات أيضا لم تكن لهم تذكرة في مشيئتهم اتخاذ السبيل، بل لم يكن لنسبة الحكمة إلى ذاته أيضا معنى محصل، لان فعل القبائح والظلم واجبار العبد عليهما والعقاب بهما مع ذلك ينافي الحكمة، فالظاهر غير مراد، بل المراد بيان أن لتوفيقه وتأييده أيضا دخلا في أفعالهم، بحيث لو تركهم و أنفسهم ولم يؤيدهم ويسددهم لكانت أنفسهم تدخلونهم مداخل السوء وتخرجونهم عن الصراط السوي وطريق المعروف.
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331