وقد ولولا " في موضع الرفع بالفاعلية، والمعنى حينئذ: أن إطلاق لفظ " منذ وقد ولولا " على الآلات تمنعها عن كونها أزلية قديمة كاملة فلا تكون الآلات محددة له سبحانه، مشيرة إليه جل شأنه إذ هي لحدوثها ونقصها بعيدة المناسبة عن الكامل المطلق القديم في ذاته: أما الأولى فلأنها لابتداء الزمان، ولا ريب أن منذ وجدت الآلة تنافي قدمها، وأما الثانية فلأنها لتقريب الماضي من الحال فقولك: قد وجدت هذه الآلة تحكم بقربها من الحال وعدم أزليتها، وقوله: حمتها أي منعتها، وأما لولا فلان قولك إلى المستحسنة منها والمتوقد من الأذهان: ما أحسنها لولا أن فيها كذا فيدل على نقص فيها فيجنبها عن الكمال المطلق ويروى أيضا برفع القدمة والأزلية والتكملة على الفاعلية فتكون الضمائر المتصلة مفعولات أول، وقد ومنذ ولولا مفعولات ثانية، ويكون المعنى أن قدم الباري سبحانه وأزليته وكماله المطلق منعت الآلات والأدوات عن إطلاق لفظ قد و منذ ولولا عليه سبحانه لأنه تعالى قديم كامل، وقد ومنذ لا يطلقان إلا على محدث، ولولا لا تطلق إلا على ناقص.
أقول: ويحتمل أن يكون المراد القدمة التقديرية أي لو كانت قديمة لمنعت عن إطلاق مذ عليها، وكذا في نظيريها.
قوله عليه السلام: بها تجلى أي بمشاعرنا وخلقه إياها وتصويره لها تجلي لعقولنا بالوجود والعلم والقدرة. قوله عليه السلام: وبها امتنع أي بمشاعرنا استنبطنا استحالة كونه تعالى مرئيا بالعيون لأنا بالمشاعر والحواس كملت عقولنا، وبعقولنا استخرجنا الدلالة على أنه لا تصح رؤيته، أو بإيجاد المشاعر مدركة بحاسة البصر ظهر امتناعه عن نظر العيون لان المشاعر إنما تدرك بالبصر لأنها ذات وضع ولون وغيره من شرائط الرؤية فيها علمنا أنه يمتنع أن يكون محلا لنظر العيون، أو لما رأينا المشاعر إنما تدرك ما كان ذا وضع بالنسبة إليها علمنا أنه لا يدرك بها لاستحالة الوضع فيه.
ثم اعلم أنه على ما في تلك النسخ الفقرتان الأوليان مشتركتان إلا أنه يحتمل إرجاع الضميرين البارزين في منعتها وحمتها إلى الأشياء لا سيما إذا حملنا الأدوات والآلات على الحروف، وأما الثالثة فالمعنى أنه لولا أن الكلمة أي اللغات والأصوات أو الآراء والعزائم