تبيين وتحقيق: اعلم أن هذه الأخبار لا سيما خبر ابن السكن تحتمل وجوها:
الأول: أن يكون المراد بالمعرف به ما يعرف الشئ به بأنه هو هو فمعنى اعرفوا الله بالله:
اعرفوه بأنه هو الله مسلوبا عنه جميع ما يعرف به الخلق من الجواهر والاعراض ومشابهته شئ منها، وهذا هو الذي ذكره الكليني رحمه الله، وعلى هذا فمعنى قوله: والرسول بالرسالة: معرفة الرسول بأنه ارسل بهذه الشريعة وهذه الأحكام، وهذا الدين، وهذا الكتاب، ومعرفة كل من اولي الامر بأنه الآمر بالمعروف، والعالم العامل به، و بالعدل أي لزوم الطريقة الوسطى في كل شئ، والاحسان أي الشفقة على خلق الله و التفضل عليهم ودفع الظلم عنهم. أو المعنى: اعرفوا الله بالله أي بما يناسب ألوهيته من التنزيه والتقديس، والرسول بما يناسب رسالته من العصمة والفضل والكمال، وأولي الأمر بما يناسب درجتهم العالية التي هي الرئاسة العامة للدنيا والدين، وبما يحكم العقل به من اتصاف صاحب تلك الدرجة القصوى به من العلم والعصمة والفضل والمزية على من سواه، ويحتمل أن يكون الغرض عدم الخوض في معرفته تعالى ورسوله وحججه بالعقول الناقصة فينتهي إلى نسبة ما لا يليق به تعالى إليه، وإلى الغلو في أمر الرسول و الأئمة صلوات الله عليهم.
وعلى هذا يحتمل وجهين: الأول أن يكون المراد: اعرفوا الله بعقولكم بمحض أنه خالق إله، والرسول بأنه رسول أرسله الله إلى الخلق، وأولي الأمر بأنه المحتاج إليه لإقامة المعروف والعدل والاحسان، ثم عولوا في صفاته تعالى وصفات حججه عليهم السلام على ما بينوا ووصفوا لكم من ذلك ولا تخوضوا فيها بعقولكم والثاني أن يكون المعنى: اعرفوا الله بما وصف لكم في كتابه وعلى لسان نبيه، والرسول بما أوضح لكم من وصفه في رسالته إليكم، والامام بما بين لكم من المعروف والعدل والاحسان كيف اتصف بتلك الأوصاف والأخلاق الحسنة. ويحتمل الأخيرين وجها ثالثا، وهو أن يكون المراد لا تعرفوا الرسول بما يخرج به عن الرسالة إلى درجة الألوهية، وكذا الامام.
الثاني: أن يكون المراد بما يعرف به ما يعرف باستعانته من قوى النفس العاقلة و المدركة وما يكون بمنزلتها ويقوم مقامها، فمعنى اعرفوا الله بالله: اعرفوه بنور الله المشرق