بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٧٣
جسما ولا روحا، وليس لاحد في خلق الروح الحساس الدراك أثر ولا سبب، هو المتفرد بخلق الأرواح والأجسام، فمن نفى عنه الشبهين: شبه الأبدان وشبه الأرواح فقد عرف الله بالله، ومن شبهه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف الله بالله.
أقول: قال الصدوق رحمه الله في كتاب التوحيد: القول الصواب في هذا الباب هو أن يقال: عرفنا الله بالله، (1) لأنا إن عرفناه بعقولنا فهو عز وجل واهبها، وإن عرفناه عز وجل بأنبيائه ورسله وحججه عليهم السلام فهو عز وجل باعثهم ومرسلهم ومتخذهم حججا، وان عرفناه بأنفسنا فهو عز وجل محدثنا فبه عرفناه، وقد قال الصادق عليه السلام:
لولا الله ما عرفناه، ولولا نحن ما عرف الله. ومعناه: لولا الحجج ما عرف الله حق معرفته، و ولولا الله ما عرف الحجج. وقد سمعت بعض أهل الكلام يقول: لو أن رجلا ولد في فلاة من الأرض ولم ير أحدا يهديه ويرشده حتى كبر وعقل ونظر إلى السماء والأرض لدله ذلك على أن لهما صانعا ومحدثا. فقلت: إن هذا شئ لم يكن، وهو إخبار بما لم يكن ان لو كان كيف كان يكون، ولو كان ذلك لكان لا يكون ذلك الرجل إلا حجة الله - تعالى ذكره - على نفسه كما في الأنبياء عليهم السلام، منهم من بعث إلى نفسه، ومنهم من بعث إلى أهله وولده، ومنهم من بعث إلى أهل محلته، ومنهم من بعث إلى أهل بلده، ومنهم من بعث إلى الناس كافة.
وأما استدلال إبراهيم الخليل عليه السلام بنظره إلى الزهرة، ثم إلى القمر، ثم إلى الشمس، وقوله - فلما أفلت -: يا قوم إني برئ مما تشركون فإنه عليه السلام كان نبيا ملهما مبعوثا مرسلا، وكان جميع قوله إلى آخره بإلهام الله عز وجل إياه، وذلك قوله عز وجل: " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه " وليس كل أحد كإبراهيم عليه السلام، ولو استغنى في معرفة التوحيد بالنظر عن تعليم الله عز وجل وتعريفه لما أنزل الله عز وجل ما أنزل من قوله: فاعلم أنه لا إله إلا الله، ومن قوله: قل هو الله أحد إلى آخره، ومن قوله: بديع السماوات و الأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة، إلى قوله: وهو اللطيف الخبير، وآخر الحشر وغيرها من آيات التوحيد.

(1) سيجيئ حق معنى معرفة الله بالله في رواية عبد الاعلى على نحو الإشارة، وأما ما ذكره رحمه الله زعما منه أن المعرفة مستندة إلى الله وليست بمكتسبة فبمعزل عن مراد الرواية. ط
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309