* (باب 4) * * (الخبر المشتهر بتوحيد المفضل بن عمر) * روى محمد بن سنان قال: حدثنا المفضل بن عمر قال: كنت ذات يوم بعد العصر جالسا في الروضة بين القبر والمنبر، وأنا مفكر فيما خص الله به سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله من الشرف والفضائل، وما منحه وأعطاه وشرفه به وحباه (1) مما لا يعرفه الجمهور من الأمة، وما جهلوه من فضله وعظيم منزلته وخطر مرتبته، (2) فإني لكذلك إذ أقبل ابن أبي العوجاء فجلس بحيث أسمع كلامه فلما استقر به المجلس إذا رجل من أصحابه قد جاء فجلس إليه فتكلم ابن أبي العوجاء فقال: لقد بلغ صاحب هذا القبر العز بكماله، وحاز الشرف بجميع خصاله، ونال الحظوة في كل أحواله، فقال له صاحبه: إنه كان فيلسوفا ادعى المرتبة العظمى والمنزلة الكبرى، وأتى على ذلك بمعجزات بهرت العقول، وضلت فيها الأحلام، وغاصت الألباب على طلب علمها في بحار الفكر فرجعت خاسئات وهي حسير، فلما استجاب لدعوته العقلاء والفصحاء والخطباء دخل الناس في دينه أفواجا فقرن اسمه باسم ناموسه، فصار يهتف به على رؤوس الصوامع في جميع البلدان، والمواضع التي انتهت إليها دعوته، وعلت بها كلمته، وظهرت فيها حجته برا وبحرا وسهلا وجبلا في كل يوم وليلة خمس مرات، مرددا في الأذان والإقامة ليتجدد في كل ساعة ذكره، لئلا يخمل أمره. فقال ابن أبي العوجاء: دع ذكر محمد - صلى الله عليه وآله - فقد تحير فيه عقلي، وضل في أمره فكري، وحدثنا في ذكر الأصل الذي يمشى به. ثم ذكر ابتداء الأشياء وزعم أن ذلك بإهمال لا صنعة فيه ولا تقدير، ولا صانع له ولا مدبر، بل الأشياء تتكون من ذاتها بلا مدبر، وعلى هذا كانت الدنيا لم تزل ولا تزال.
بيان: الحوز: الجمع وكل من ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه. والحظوة بالضم والكسر والحاء المهملة والظاء المعجمة: المكانة والمنزلة. والفيلسوف: العالم. وخسأ