بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٧٥
على القلوب بالتوسل إليه والتقرب به، فإن العقول إليه لا تهتدي إليه إلا بأنوار فيضه تعالى واعرفوا الرسول بتكميله إياكم برسالته، وبمتابعته فيما يؤدي إليكم من طاعة ربكم فإنها توجب الروابط المعنوية بينكم وبينه، وعلى قدر ذلك يتيسر لكم من معرفته، وكذا معرفة اولي الامر إنما تحصل بمتابعتهم في المعروف والعدل والاحسان و باستكمال العقل بها.
الثالث: أن يكون المراد ما يعرف بها من الأدلة والحجج، فمعنى اعرفوا الله بالله أنه إنما تتأتى معرفته لكم بالتفكر فيما أظهر لكم من آثار صنعه وقدرته وحكمته بتوفيقه وهدايته، لا بما ارسل به الرسول من الآيات والمعجزات فإن معرفتها إنما تحصل بعد معرفته تعالى، واعرفوا الرسول بالرسالة أي بما ارسل به من المعجزات والدلائل أو بالشريعة المستقيمة التي بعث بها، فإنها لانطباقها على قانون العدل والحكمة يحكم العقل بحقية من ارسل بها، واعرفوا اولي الامر بعلمهم بالمعروف، وإقامة العدل و الاحسان، وإتيانهم بها على وجهها، وهذا أقرب الوجوه، ويؤيده خبر سلمان وكذا خبر ابن حازم، إذ الظاهر أن المراد به أن وجوده تعالى أظهر الأشياء، وبه ظهر كل شئ، وقد أظهر الآيات للخلق على وجوده وعلمه وقدرته، وأظهر المعجزات حتى علم بذلك حقية حججه عليهم السلام، فالعباد معروفون به، ولا يحتاج في معرفة وجوده إلى بيان أحد من خلقه. ويمكن أن يقرأ " يعرفون " على بناء المعلوم أيضا.
وأما ما ذكره الصدوق رحمه الله فيرجع إلى أن المعنى أن جميع ما يعرف الله به ينتهي إليه سبحانه. ويرد عليه أنه على هذا تكون معرفة الرسول وأولي الأمر أيضا بالله فما الفرق بينهما وبين معرفة الله في ذلك؟ وأيضا لا يلائمه قوله: اعرفوا الله بالله، إلا أن يقال: الفرق باعتبار أصناف المعرفة، فالمعرفة بالرسالة صنف من المعرفة بالله، والمعرفة بالمعروف صنف آخر منها، ومعرفة الله فيها أصناف لا اختصاص لها بصنف، والمراد باعرفوا الله بالله: حصلوا معرفة الله التي تحصل بالله، هكذا حققه بعض الأفاضل. ثم إن في كلامه تشويشا وتناقضا، ولعل مراده أخيرا نفي معرفة صفاته الكمالية حق معرفتها بدون إرسال الرسل ونصب الحجج إلا أن التصديق بوجوده تعالى يتوقف على ذلك وإن كان بعض كلماته يدل عليه.
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309