﴿وورث سليمان داود﴾ (١) وقول زكريا ﴿فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب﴾ (2) وإذا أجمع على أنها أتت بآيتي الميراث في احتجاجها، ودل الدليل على عصمتها، وجب الجزم بحقية قولها.
ان قيل: قد يورث غيره من المرسلين، ولا يورث خاتم النبيين؟
قلنا: هذا خلاف اجماع المسلمين، فان من ورثهم عمهم، ومن منعم عمهم.
قالوا: المراد بالآيتين ارث العلم والنبوة، إذ لو أريد المال لما اختص سليمان دون زوجات أبيه وباقي وارثيه، وكذا الكلام في يحيى مع أبيه.
قلنا: العلم والنبوة تابعان للمصلحة، لا مدخل للنسب والتوارث فيهما، وان سليمان أوتي حكما وعلما في حياة أبيه، فلا مدخل للإرث فيه. وذكر سليمان في الإرث لا يدل على اختصاصه به، لعدم دلالة التخصيص بالذكر على التخصيص بالحكم، والإرث حقيقة في المال، وقصة زكريا تدل عليه حيث طلب ولدا يحجب بني عمه عنه وعن الافساد فيه، لأنهم كانوا فساقا، والتقدير: خفت الموالي أن يعصوا الله بمالي، فذهب بهذا ما يتوهم من نسبة البخل إليه، والعلم والنبوة لا حجب عنهما بحال، لأنه بعث لاذاعة العلم، فكيف يخاف من شئ بعث لأجله؟
ان قيل: لم لا يكون خوفه من مواليه الفساق أن يرثوا علمه فيفسدون الرعية به؟
قلنا: هذا العلم ان عني به الصحف، فلا يسمى علما الا مجازا، مع أنه يرجع إلى ارث المال، وان عنى به العلم الذي محله القلوب، فهو إما شريعة فإنما بعث لنشرها، وبنو عمه من جملة أمته، وان عني علم العواقب والحوادث، فهذا لا يجب الاعلام به فلا خوف لأجله.
ان قيل: إنما سأل الولي خوفا من اندراس العلم.