الوجه الأول: أنهم أجمعوا على القطع بتخطئة المخالف للاجماع، فدل (1) على أنه حجة، فان العادة تحكم بأن هذا العدد الكثير من العلماء المحققين لا يجمعون على القطع في شرعي بمجرد تواطئ أو ظن، بل لا يكون قطعهم الا عن قاطع، فوجب الحكم بوجود نص قاطع بلغهم في ذلك، فيكون مقتضاه وهو خطأ المخالف له حقا، وهو يقتضي حقية ما عليه الاجماع، وهو المطلوب.
ثم أورد على نفسه نقضا، باتفاق الفلاسفة على قدم العالم، واتفاق اليهود على أن لا نبي بعد موسى، واتفاق النصارى على قتل عيسى.
ثم أجاب بأن اجماع الفلاسفة عن نظر عقلي، ويعارض السنة، واشتباه الصحيح بالفاسد فيه كثير. وأما في الشرعيات، فالفرق القاطع والظني بين لا يشتبه على أهل المعرفة والتمييز، واجماع اليهود والنصارى عن الاتباع لاحاد الأوائل لعدم تحقيقهم، والعادة لا تحيله، بخلاف ما ذكرناه.
أقول: ما ذكره ضعيف، والنقض وارد عليه ولا مفر له عنه.
أما بيان ضعفه، فانا لا نسلم امتناع التواطئ، بل الحق جوازه، فان العقل لا يستبعد أن يكون هذه (2) القاعدة مما وضعه المنافقون الذين أرادوا في العقبة قتل النبي صلى الله عليه وآله، وحالوا بينه وبين أن يكتب للناس وصية يرتفع بها عنهم الضلال، ونسبوه إلى الهجر والهذيان، وقالوا: حسبنا كتاب الله، ثم شبهوا على الناس بالشبهات، كآية من يشاقق الله (3) وأمثالها، فتبعهم في القاعدة ضعفاء الصحابة وسفهائهم، وسكت عنهم العلماء وأولوا الآراء، طمعا ورغبة وخوفا وتقية.
وقد وقع ذكر المنافقين الذين ذكرناهم في صحاحهم ومسانيدهم، ونحن نذكر في