وروي أن ابن الكميت رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: أنشدني قصيدة كانت لأبيك، يعني القصيدة المشتملة على حكاية الغدير، قال: فأنشدته إياها، فلما وصلت إلى (ولم أر مثله حقا أضيعا) بكى رسول الله صلى الله عليه وآله بكاء شديدا، قال:
صدق أبوك ولم أر مثله حقا أضيعا، ثم انتبه.
أقول: هذا الخبر تجاوز حد التواتر، وبلغ الظهور إلى غاية لا يمكن أن يشك فيه شاك، أو يكابر فيه مكابر، ولكن المخالفين الذين أخروا من قدمه الله، وقدموا من أخره الله استهانة بأمر الله، لعمى قلوبهم بحب الدنيا، وصممها باتباع الأهواء، يتمسكون في دفع هذا الخبر وغيره من الأخبار الدالة على إمامته عليه السلام بوجوه لا وجه لها، نعم هم الغرقى في بحار الهواء، والغريق يتشبث بكل حشيشة، يابسة كانت أو خضراء.
فمنها: أن الخبر ورد على سبب خاص، فيتخصص. وليس بشئ، لأنه على تقدير التسليم لا يتخصص العام بالسبب، وهذا من الأمور المحققة في الأصول.
ومما يدل أيضا على بطلان هذا القول، استدلال أمير المؤمنين عليه السلام بخبر الغدير على استحقاقه الخلافة، واستشهاده من كان حاضرا يومئذ، حتى شهد بعض وأنكر بعض، ولو كان الأمر كما قالوه لأنكر عليه استدلاله واستشهاده بعض معانديه.
وأيضا لو كان الأمر كما زعموا، فلم قال امامهم عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، مع أنه كان أعرف بمدلولات الكلام العربي، وبمقاصد النبي صلى الله عليه وآله من أتباعه، ولو كان في الواقع مخطئا في الفهم، فلم أقره النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وسائر الصحابة؟
وأيضا فلم قصد النعمان بن الحارث الفهري النبي صلى الله عليه وآله وقال ما قال على وجه الانكار والاستكبار، فلو كان في الواقع مخطئا في الفهم لأجابه النبي صلى الله عليه وآله بأنه في أمر خاص، ولم يجبه بأنه في أمر خاص من الله مؤكدا بالقسم.
ومنها: أن لفظ المولى والولي مشترك، فقد لا يراد به الأولى والسيد المطاع.