هذا المقام ما وصل إلينا من أخبار المنافقين، ليتضح ما قلناه لطالبي الدين.
قد ورد في كتاب دلائل النبوة للشيخ أبي بكر أحمد البيهقي، باسناده عن أبي الأسود، عن عروة، قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله قافلا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق، مكر به ناس من أصحابه، فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله خبرهم، فقال: من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم.
فأخذ النبي صلى الله عليه وآله العقبة، وأخذ الناس بطن الوادي، الا النفر الذين أرادوا المكر به، لما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله حذيفة بن يمان وعمار بن ياسر، فمشيا معه مشيا، وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة يسوقها.
فبينا هم يسيرون إذ سمعوا ركزة القوم من ورائهم قد غشوه، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع ومعه محجن، فاستقبل (1) وجوه راحلتهم، فضربها ضربا بالمحجن، وأبصر القوم وهو متلثمون، فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة، فظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتى خلطوا الناس.
وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما أدركه قال: اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار، فأسرعوا، فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا حذيفة هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب أحدا؟ فقال: عرفت راحلة فلان وفلان وفلان، وكان ظلمة الليل غشيتهم وهم متلثمون، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هل علمتم ما شأن الركب وما أرادوا؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال:
فإنهم مكروا ليسيروا معي، حتى إذا أظلمت في العقبة طرحوني منها، قالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاءك الناس؟ فنضرب أعناقهم، قال: أكره أن يتحدث