الرجل وبقى عبد الله عند أهله إلى أن ذهبت الصفرة من يديه وذلك أن العرب كانوا إذا دخلوا بأهلهم يخضبون أيديهم بالحناء ولا يخرجون من عندهم وعلى أيديهم اثر من الحناء فبقي عبد الله أربعين يوما وخرج ونظر أهل مكة إلى عبد الله والنور قد فارق موضعه فرجع عبد المطلب من عند حبيب وقد أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله شهر واحد في بطن أمه ونادت الجبال بعضها بعضا والأشجار بعضها بعضا والسماوات بعضها يستبشرون ويقولون ألا ان محمدا قد وقع في رحم أمه آمنة وقد أتى عليه شهر ففرحت بذلك الجبال والبحار والسماوات والأرضون فرحا برسول الله صلى الله عليه وآله ثم إن الله تعالى أراد قضاه على فاطمة بنت عبد المطلب فورد عليه كتاب من يثرب يموت فاطمة وكان في الكتاب انها ورثت مالا كثيرا خطيرا فاخرج إلى عندهم بأسرع ما تقدر عليه قال عبد المطلب لولده عبد الله يا ولدي لا بد لك ان تجي معي إلى المدينة فسافر مع أبيه ودخلا مدينة يثرب وقبض عبد المطلب المال ولما انتهيا من دخولهما المدينة بعشر أيام اعتل عبد الله علة شديدة وبقى خمسة عشر يوما فلما كان يوم السادس عشر مات عبد الله فبكى عليه أبوه عبد المطلب بكاء شديدا وشق سقف البيت لأجله في دار فاطمة بنت عبد المطلب وإذا بهاتف يهتف ويقول قد مات من كان في صلبه خاتم النبيين وأي نفس لا تموت فقام عبد المطلب فغسله وكفنه في سكة يقال لها (شين) وبنى على قبره قبة عظيمة من جص وآجر واحكمه ورجع إلى مكة واستقبله رؤساء قريش وبنو هاشم واتصل الخبر إلى آمنة بوفاة زوجها فبكت ونفشت شعرها وخدشت وجهها ومزقت جيبها ودعت بالنايحات ينحن على عبد الله فجاء بعد ذلك عبد المطلب إلى دار آمنة وطيب قلبها ووهب لها في ذلك الوقت ألف درهم بيض وتاجين قد اتخذهما عبد مناف لبعض بناته وقال لها يا آمنة لا تحزني فإنك عندي جليلة لأجل من في بطنك فلا يهمك امرك فسكتت وطيب قلبها.
(١٤)