بأرض طوس نائي الأوطان * إذ غره المأمون بالأماني حين سقاه السم في الرمان وفي روضة الواعظين عن النيسابوري روى عن أبي الصلت في خبر أنه قال:
بينا أنا واقف بين يدي الرضا (ع) إذ قال لي: يا أبا الصلت ادخل إلى هذه القبة التي فيها قبر هارون وائتني بتراب من أربع جوانبها قال: فأتيت به فأخذه وشمه ثم رمى به ثم قال: سيحفر لي ههنا قبر ثم أوصى بما أوصى وجلس في محرابه ينتظر إذ دعاه المأمون فلما أتاه وثب إليه وعانقه وقبل ما بين عينيه وأجلسه معه وناوله عنقود عنب كان بيديه قد أكل بعضه وقال: يا بن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا، فقال الرضا: ربما كان عنبا حسنا فيكون في الجنة، فقال له: كل منه فقال: تعفيني منه قال: لا بد من ذلك ما يمنعك منه لعلك تتهمنا بشئ، فتناول العنقود فأكل منه ثلاث حباب ثم رمى به وقام، فقال: إلى أين؟ قال: إلى حيث وجهتني، وخرج حتى دخل الدار وأمر أن يغلق الباب ونام على فراشه فمكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا إذ دخل علي شاب حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بالرضا فقلت له: من أين دخلت والباب مغلق؟ قال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت أدخلني الدار، فقلت: ومن أنت؟ قال: أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمد بن علي، ثم مضى نحو أبيه فدخل وأمرني بالدخول معه، فلما نظر إلى الرضا وثب إليه فعانقه وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه ثم سحبه سحبا في فراشه وأكب عليه محمد يمينه ويساره وجعل يكلمه بشئ لم أفهمه ورأيت على شفتي الرضا زبدا أشد بياضا من الثلج وأبو جعفر يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين ثوبيه وصدره واستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه، ومضى الرضا. فقال أبو جعفر: قم يا أبا الصلت فائتني بالمغتسل والماء من الخزانة، فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء، فقال: ائت بما آمرك به فأتيت بهما وشمرت ثيابي لأغسله معه فقال: تنح فان لي من يعينني غيرك، فغسله ثم قال: ادخل الخزانة فأخرج السفط الذي فيه كفنه وحنوطه، ثم أمرني بالتابوت من الحزانة فأتيته به ولم أر ذلك في الخزانة قط، فوضعه في التابوت وصلى عليه ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت ومضى، فقلت: فان المأمون يطالبني به، فقال: اسكت فإنه سيعود يا أبا الصلت ما من نبي يموت بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله بين أرواحهما وأجسادهما، فما تم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت فاستخرج من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يغسل ولم يكفن، قال: يا أبا الصلت