قال عليه السلام: يحتاجون إلى دليل، أن هذا العالم الأكبر والعالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك، وتدور حيث دارت، متعبة لا تفتر، وسائرة لا تقف.
ثم قال: وأن لكل نجم منها موكل مدبر، فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلى حال.
قال: فمن قال بالطبايع؟
قال: القدرية، فذلك قول من لم يملك البقاء، ولا صرف الحوادث، وغيرته الأيام والليالي، لا يرد الهرم، ولا يدفع الأجل، وما يدري ما يصنع به.
قال: فأخبرني عمن يزعم أن الخلق لم يزل يتناسلون ويتوالدون، ويذهب قرن ويجئ قرن، وتفنيهم الأمراض والأعراض، وصنوف الآفات، ويخبرك الآخر عن الأول، وينبئك الخلف عن السلف، والقرون عن القرون، أنهم وجدوا الخلق على هذا الوصف بمنزلة الشجر والنبات في كل دهر يخرج منه حكيم عليم بمصلحة الناس، بصير بتأليف الكلام، ويصنف كتابا قد حبره بفطنته، وحسنه بحكمته، قد جعله حاجزا بين الناس، يأمرهم بالخير ويحثهم عليه، وينهاهم عن السوء والفساد، ويزجرهم عنه، لئلا يتهارشوا، ولا يقتل بعضهم بعضا.
قال عليه السلام: ويحك إن من خرج من بطن أمه أمس، ويرحل عن الدنيا غدا لا علم له بما كان قبله، ولا ما يكون بعده، ثم إنه لا يخلو الإنسان من أن يكون خلق نفسه، أو خلقه غيره، أو لم يزل موجودا، فما ليس بشئ ليس يقدر أن يخلق شيئا وهو ليس بشئ، وكذلك ما لم يكن فيكون شيئا، يسئل فلا يعلم كيف كان ابتداؤه، ولو كان الإنسان أزليا لم تحدث فيه الحوادث، لأن الأزلي لا تغيره الأيام، ولا يأتي عليه الفناء، مع أنا لم نجد بناء من غير بان، ولا أثرا من غير مؤثر، ولا تأليفا من غير مؤلف، فمن زعم أن أباه خلقه، قيل: فمن خلق أباه، ولو أن الأب هو الذي خلق ابنه، لخلقه على شهوته، وصوره على محبته، ولملك حياته، ولجاز فيه حكمه، ولكنه إن مرض فلم ينفعه، وإن مات فعجز