قال: والله يا سيدي ما أريد إلا أن تثبت لي شيئا أتعلق به. فلا أجوزه!
قال: سل عما بدا لك!
فازدحم الناس وضم بعضهم إلى بعض.
فقال: أخبرني عن الكائن الأول وعما خلق؟
قال: سألت فافهم الجواب!
أما الواحد فلم يزل كائنا واحدا، لا شئ معه، بلا حدود، ولا أعراض، ولا يزال كذلك. ثم خلق خلقا مبتدعا، مختلفا، بأعراض وحدود مختلفة، لا في شئ أقامه، ولا في شئ حده، ولا على شئ حذاه ومثله، فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة وغير صفوة لله، واختلافا وايتلافا، وألوانا، وذوقا، وطعما، لا لحاجة كانت منه إلى ذلك، ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلا به، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصانا، تعقل هذا يا عمران؟
قال: نعم والله يا سيدي.
قال: واعلم يا عمران! أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة، لم يخلق إلا من يستعين به على حاجته، ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق، لأن الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى.
ثم طال السؤال والجواب بين الرضا عليه السلام وبين عمران الصابي، وألزمه عليه السلام في أكثر مسائله، حتى انتهت الحال إلى أن قال:
أشهد أنه يا سيدي كما وصفت، ولكن بقيت مسألة!
قال: سل عما أردت!
قال: أسألك عن: (الحكيم) في أي شئ، وهل يحيط به شئ، وهل يتحول من شئ إلى شئ، أو هل به حاجة إلى شئ؟
قال الرضا عليه السلام: أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه، فإنه من أغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم، وليس يفهمه المتقارب عقله العازب حلمه، ولا يعجز عن فهمه أولو العقل المنصفون.