وأنه لو كان رحمة عليهم لاهتدوا جميعا ونجوا من عذاب السعير، فإن الله تبارك وتعالى إنما عنى بذلك: أنه جعله سببا لأنظار أهل هذه الدار لأن الأنبياء قبله بعثوا بالتصريح لا بالتعريض، وكان النبي صلى الله عليه وآله منهم إذا صدع بأمر الله وأجابه قومه سلموا وسلم أهل دارهم من سائر الخليقة، وإن خالفوه هلكوا وهلك أهل دارهم بالآفة التي كان نبيهم يتوعدهم بها، ويخوفهم حلولها ونزولها بساحتهم، من:
خسف، أو قذف، أو رجف، أو زلزلة، أو غير ذلك من أصناف العذاب التي هلكت بها الأمم الخالية.
وأن الله علم من نبينا صلى الله عليه وآله ومن الحجج في الأرض: الصبر على ما لم يطق من تقدمهم من الأنبياء الصبر على مثله، فبعثه، فبعثه الله بالتعريض لا بالتصريح، وأثبت حجة الله تعريضا لا تصريحا بقوله - في وصيه -: " من كنت مولاه فهذا مولاه ".
و " هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " وليس من خليقة النبي ولا من النبوة أن يقول قولا لا معنى له، فلزم الأمة أن تعلم: أنه لما كانت النبوة والأخوة موجودتين في خلقة هارون، ومعدومتين فيمن جعله النبي صلى الله عليه وآله بمنزلته أنه قد استخلفه على أمته كما استخلف موسى هارون، حيث قال له:
" أخلفني في قومي " ولو قال لهم: لا تقلدوا الإمامة إلا فلانا بعينه وإلا نزل بكم العذاب، لأتاهم العذاب وزال باب الإنظار والإمهال.
وبما أمر بسد باب الجميع وترك بابه، ثم قال: ما سددت ولا تركت ولكني أمرت فأطعت، فقالوا سددت بابنا وتركت لأحدثنا سنا.
فأما ما ذكروه من حداثة سنه، فإن الله لم يستصغر يوشع بن نون حيث أمر موسى أن يعهد بالوصية إليه، وهو في سن ابن سبع سنين، ولا استصغر يحيى وعيسى لما استودعهما عزائمه وبراهين حكمته، وإنما جعل ذلك جل ذكره لعلمه بعاقبة الأمور، وأن وصيه لا يرجع بعده ضالا ولا كافرا.
وبأن عمد النبي صلى الله عليه وآله إلى سورة براءة، فدفعها إلى من علم أن الأمة تؤثره على وصيه، وأمره بقرائتها على أهل مكة، فلما ولى من بين يديه أتبعه بوصيه