ذلك قولا ظاهرا ليته حسنة من حسناته، ويود أنه كان شعرة في صدره، وغير ذلك من القول المتناقض المؤكد لحجج الدافعين لدين الإسلام.
وأتى من أمر الشورى وتأكيده بها: عقد الظلم والإلحاد، والغي والفساد، حتى تقرر على إرادته ما لم يخف - على ذي لب موضع ضرره -.
ولم تطق الأمة الصبر على ما أظهره الثالث من سوء الفعل، فعاجلته بالقتل فاتسع بما جنوه من ذلك لمن وافقهم على ظلمهم وكفرهم ونفاقهم: محاولة مثل ما أتوه من الاستيلاء على أمر الأمة.
كل ذلك لتتم النظرة التي أوحاها الله تعالى لعدوه إبليس، إلى أن يبلغ الكتاب أجله، ويحق القول على الكافرين، ويقترب الوعد الحق، الذي بينه في كتابه بقوله: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لنستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم " (1) وذلك: إذا لم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه، وغاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك، لاشتمال الفتنة على القلوب حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عدواة له.
وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم تروها، ويظهر دين نبيه صلى الله عليه وآله - على يديه - على الدين كله ولو كره المشركون.
وأما ما ذكرته من الخطاب الدال على تهجين النبي صلى الله عليه وآله، والأرزاء به، والتأنيب له، مع ما أظهره الله تعالى في كتابه من تفضيله إياه على سائر أنبيائه فإن الله عز وجل جعل لكل نبي عدوا من المشركين، كما قال في كتابه، وبحسب جلالة منزلة نبينا صلى الله عليه وآله عند ربه، كذلك عظم محنته لعدوه الذي عاد منه في شقاقه ونفاقه كل أذى ومشقة لدفع نبوته، وتكذيبه إياه، وسعيه في مكارهه، وقصده لنقض كل ما أبرمه، واجتهاده ومن مالأه على كفره، وعناده، ونفاقه، وإلحاده في إبطال دعواه، وتغيير ملته، ومخالفته سنته، ولم ير شيئا أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم من موالاة وصيه، وإيحاشهم منه، وصدهم عنه، وإغرائهم بعداوته،