ارجع فداك أبي وأمي بأهل بيتك ولا يغرك (1) أهل الكوفة، فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل، إن أهل الكوفة قد كذبوك وليس لمكذوب (2) رأي. فقال ابن الأشعث: والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد أني قد آمنتك.
وأقبل ابن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر، فاستأذن فأذن له فدخل على ابن زياد فأخبره خبر ابن عقيل وضرب بكر إياه وما كان من أمانه له، فقال له عبيد الله: وما أنت والأمان، كأنا أرسلناك لتؤمنه! إنما أرسلناك لتأتينا به، فسكت ابن الأشعث، وأنتهي بابن عقيل إلى باب القصر وقد اشتد به العطش، وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الإذن، فيهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط، وعمرو بن حريث، ومسلم بن عمرو، وكثير بن شهاب، وإذا قلة باردة موضوعة على الباب، فقال مسلم: أسقوني من هذا الماء، فقال له مسلم بن عمرو: أتراها؟ ما أبردها! لا والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم.
فقال له ابن عقيل رضي الله عنه: ويلك من أنت؟ قال: أنا من عرف الحق إذ أنكرته، ونصح لإمامه إذ غششته، وأطاعه إذ خالفته، أنا مسلم ابن عمرو الباهلي، فقال له مسلم بن عقيل: لأمك الثكل، ما أجفاك وأفظك وأقسى قلبك! أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني. ثم جلس فتساند إلى حائط.
وبعث عمرو بن حريث غلاما له فجاءه بقلة عليها منديل وقدح،