فنزعوا تخاتج (1) المسجد وجعلوا يخفضون شعل النار (2) في أيديهم وينظرون فكانت أحيانا تضئ لهم وأحيانا لا تضئ كما يريدون، فدلوا القناديل (وأطنان القصب تشد) (3) بالحبال ثم تجعل فيها النيران ثم تدلى حتى تنتهي إلى الأرض، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال (4) وأدناها وأوسطها حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر، فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد بتفرق القوم، ففتح باب السدة (5) التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر وخرج أصحابه معه، فأمرهم فجلسوا قبيل العتمة وأمر عمرو بن نافع فنادى: ألا برئت الذمة من رجل من الشرط والعرفاء والمناكب (6) أو المقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد، فلم يكن إلا ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس، ثم أمر مناديه فأقام الصلاة، وأقام الحرس خلفه وأمرهم بحراسته من أن يدخل عليه أحد يغتاله، وصلى بالناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد: فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من