شاملة، فلم يثق به الحسن عليه السلام وعلم احتياله بذلك واغتياله، غير أنه لم يجد بدا من إجابته إلى ما التمس (من ترك) (1) الحرب وإنفاذ الهدنة، لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له، وما انطوى كثير منهم عليه في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه، وما كان في خذلان ابن عمه له ومصيره إلى عدوه، وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة.
فتوثق عليه السلام لنفسه من معاوية لتأكيد الحجة عليه، والإعذار فيما بينه وبينه عند الله عز وجل وعند كافة المسلمين، واشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين عليه السلام والعدول عن القنوت عليه في الصلوات، وأن يؤمن شيعته رضي الله عنهم ولا يتعرض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلى كل ذي حق منهم حقه. فأجابه معاوية إلى ذلك كله، وعاهده عليه وحلف له بالوفاء به.
فلقا استتمت الهدنة على ذلك، سار معاوية حتى نزل بالنخيلة (2)، وكان ذلك يوم جمعة فصلى بالناس ضحى النهار، فخطبهم وقال في خطبته: إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون. ألا وإني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشئ منها له.